ليس حدثاً طريفاً ولا خبراً مسلياً أن تموت ثلاثة مستشفيات خاصة هي «الوطنية الأولى» في تاريخ عمان وقد أُنشئت جميعها في القرن الماضي وخلال خمسة عشر عاماً بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، بدءاً بمستشفى ملحس عام ١٩٤٥ ثم لحقه مستشفيا فلسطين والمعشر مطلع الستينات، اما الطريف المحزن فهو انها ايضاً ماتت في «الخمسة عشر عاماً» المنصرمة من القرن الحالي بين عامي ٢٠٠٧و٢٠٢١، لأسباب مختلفة لكن الخلفيات متشابهة! فالأول الذي أنشأه الدكتور قاسم ملحس بدافع وطني وبعرق جبينه دون دعم مادي من أي جهة او مؤسسة واضطر بعد خمسين سنة لأغراض التطوير والتوسع ان يلجأ لقروض كبيرة ما لبث ان عجز عن سدادها لدواعٍ متعددة منها ما قيل عن ألاعيب بنكية أدت إلى استحواذ البنوك الدائنة عليه وطرحه للبيع فقامت صناديق النقابات المهنية بشرائه بقصد استثماره تجارياً إلى أن اكتشفت صعوبة ذلك حد الاستحالة بسبب اقتصار ترخيصه الأصلي على بنائه كمستشفى وهو الآن في منطقة الأبنية الاثرية في الدوار الاول بجبل عمان، وقد آل في نهاية المطاف الى ملكية نقابة المحامين التي ما زالت حائرةً في أمره كبناء مهجور يتآكل واحياناً يتحول الى مكرهة صحية!
أما المستشفى الثاني «فلسطين» فقام على أكتاف مؤسسهِ الجراح الطموح الدكتور سامي خوري بمساعدة قرض كبير من مجلس الإعمار وربما بمباركة من إحدى المؤسسات الكنسية، وقد اعتبر حينذاك نقلة نوعية في القطاع الطبي الخاص وفتح ابوابه لمرضى زملائه من الأطباء والجراحين أسوةً بما فعل من قبله مستشفى ملحس، أما الثالث فهو مستشفى المعشر الذي أنشأه الجراح الكبير سعد المعشر وأشقاؤه من مالهم الخاص وحسب مخطط هندسي أبدعه معماري إيطالي متخصص فكان الاحدث والأجمل، وظل يقدم خدماته المتميزة حتى رحيل مؤسسه قبل سنوات فجرى هدمه ربما لاستثماره كقطعة أرض في موقع تجاري. وفوجئتُ بأنه مغلق منذ العام الماضي بقرار من وزير الصحة غير مسبوق ومؤيدٍ بحكم قطعي من المحكمة المختصة لا لارتكابه خطأً فاحشاً أدى لوفاة عدد من مرضاه بل لنواقص ومخالفات لم يقم بتصويبها ولا ترقى لهذا المستوى من الخطورة.وبعد.. صحيح أن هذا المستشفيات الثلاثة سبقها في القطاع الصحي الخاص المستشفى «الايطالي» في عمان منذ ١٩٣٤ ويقدم خدماته للأردنيين حتى اليوم ويذكرونه دوماً بالعرفان والتقدير، ويبدو ان سر استمراره انه لا يملكه فرد او عائلة بل مؤسسة مالية إيطالية كبيرة ذات علاقة وطيدة بكنيسة روما ولها مستشفيات في العديد من دول الشرق الأوسط وإفريقيا، وصحيح ان نشوء وصمود عشرات من المستشفيات الخاصة في الاردن في فترة زمنية قصيرة منذ تسعينات القرن الماضي لم يتحقق الا برضوخها لآليات اقتصاد السوق كشركات مساهمة عامة همها الاول هو الربح تحت عباءة طُهر المهن الطبية!