اخبار الاردن اقتصاديات دوليات جامعات وفيات برلمانيات احزاب وظائف للاردنيين رياضة أسرار و مجالس مقالات مختارة مقالات تبليغات قضائية مناسبات جاهات واعراس مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة كاريكاتير رفوف المكتبات طقس اليوم

بين زيلنسكي والسنوار


عبدالهادي راجي المجالي
abdelhadi18@yahoo.com

بين زيلنسكي والسنوار

مدار الساعة (الرأي) ـ نشر في 2022/05/09 الساعة 07:31
أتابع أحياناً نشرات الأخبار وهي تنتقل في بث عاجل لنقل خطاب للرئيس الأوكراني (زيلنسكي).. وأكثر ما يضحكني في هذه الخطابات تعثر المترجم, الذي جاء على عجل ونسي نصف الخطاب وترجم نصفه... ويضحكني أكثر أن الرئيس الأوكراني تحرر من ارتداء ربطة العنق والبذلة وارتدى (الفوتيك).. باعتباره يقاتل في الميادين ويقود الجبهات.. ولكن أحياناً تفاصيل الصورة التي يعرضها التلفاز تكون أبلغ من الخطاب ذاته..
أحياناً تأسرك تحفة فنية معلقة خلف الرئيس في القصر الرئاسي ومطلية بالذهب, وتدرك حين تتأملها أنها تعبر ربما عن تاريخ النحت في أوكرانيا, ويلفت انتباهك في بعض المرات النقوش الموجودة على الخشب, والتي تعود للعهد السوفياتي.. وربما نقشت يدوياً وعبرت عن الإبداع في ذلك الزمن... وتذهب عيناك باتجاه ساعة علقت خلف الرئيس, وحين تتأملها تلاحظ أنها ربما صنعت يدوياً وقبل مئة عام, وربما هي من رموز النهضة التي مرت على أوكرانيا بعد الحرب العالمية الثانية أو قبلها... الرئيس الأوكراني حين يخطب, تشعر أنه يلقي الخطاب من متحف محتوياته تقدر بمئات الملايين من الدولارات.
في عالمنا العربي الصورة مختلفة, فأهم خطابات تبث الآن هي ما يقدمه السنوار في غزة... وهناك لا يوجد بعض التحف النفيسة, والمشهد لا يحتاج لتأمل... كل ما في الأمر أنك تلمح في زاوية القاعة بعض (المصليات) التي اعدت لصلاة المغرب حال انتهاء الخطاب, وتلمح أيضاً كراسي (السامبا) البلاستيكية التي توجد في حدائق منازلنا, ونشتريها غالباً من الأسواق الشعبية كونها رخيصة وتخدم مطولاً... وقد استعملت لجلوس الحضور, وتلمح أيضاً بعض الأسلاك التي أخفيت في القاعة من السقف, وللأسف لم ينجح (الطوبرجي) في إخفائها لأنها كانت على ما يبدو موصولة ببعض السماعات التي تدل على أن القاعة استعملت كمسجد فيما مضى...
مع ذلك تشعر بفخر العروبة في دمك حين تكتشف أن السنوار جاء من حزن عمره (22) عاماً قضاها في سجون الاحتلال, بالمقابل رئيس أوكرانيا جاء من مسرحية هزلية كان يؤدي فيها دور مدرس مغلوب على أمره... تشعر بالفخر أنك عربي في الدم والوجه واللسان.. حين تدرك أن رجلاً مثل السنوار وعبر خطاب بسيط ومن قاعة تكلفة بنائها كاملة لا تعادل تكلفة ثمن تحفة تاريخية من القصر الجمهوري في أوكرانيا.. استطاع أن يضع القضية الفلسطينية على المحفل العالمي وأن يجلب كل أنظار العالم لها... ويرعب كل الاعداء, بالمقابل رئيس دولة ضخمة تمتلك احتياطيات هائلة من النفط والغاز والقمح.. أمضى الأشهر الأخيرة في التوسل إلى أوروبا كي تساعده... لا أقول التوسل بل التسول أيضاً لإرسال السلاح.
نظريات هنتنغتون وفوكوياما.. وبريجنسكي كلها كاذبة, أنا لم اعد أؤمن بأي واحدة منها.. النظرية الجديدة الموجودة في العالم هي أن من يجلسون على كراسي السامبا, سيصعدون إلى المشهد عنوة بالمقابل من يركنون للتاريخ وقيم الديمقراطية وما يسمى بالحرية والعدالة.. ويصدرون قيمهم لنا ويفرضونها علينا, حتماً سيسقطون هم وتاريخهم..
كل ما علمونا إياه في التاريخ هو مجرد هراء... فقط قارنوا بين السنوار وزيلنسكي.. ستكتشفون أن الأول هو من يصنع التاريخ ويقرره.. وكل دبابات إسرائيل وقوتها لم تستطع اقتحام غزة التي بمساحتها لا تعادل ضاحية من (كييف)... بالمقابل (زيلنسكي) ومنذ أن صعد للسلطة وهو يتحدث عن تاريخ أوروبا ووحدة أوروبا وقيم أوروبا... وروسيا ترسل دباباتها كي تمارس سحق هذا التاريخ وتدميره...
صدقوني أن كراسي (السامبا).. أهم من كل حاملات الطائرات, لأن هذه الكراسي تحمل الإيمان والعقيدة وفلسطين.. لقد انتصرت هذه الكراسي على أوروبا.
Abdelhadi18@yahoo.com
مدار الساعة (الرأي) ـ نشر في 2022/05/09 الساعة 07:31