منذ انسحاب إدارة ترمب قبل أربع سنوات 8/5/2018 من الاتفاق النووي الإيراني أو ما يُوصَف رسمياً «خطة العمل الشاملة المشتركة», وبعد عام على عودة إدارة بايدن إلى مباحثات إحياء هذا الاتفاق, وإن بشكل غير رسمي بعد معارضة طهران جلوس وفد واشنطن على طاولة المباحثات بين القوى المُوقعة عليه (4+1), تبدو الأمور سائرة نحو الحسم, وسط تصريحات مُتضاربة وأخرى تأخذ طابع التهديد والتلويح بإغلاق نوافذ الفرص المتاحة (على قلّتها) بهدف تحسين شروط التفاوض, سواء من قبل طهران أم خصوصاً من قبل إدارة بايدن التي تبدي تشدداً لافتاً, إزاء «الخط الأحمر» الإيراني المتعلق برفع الحرس الثوري الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية، كعقبة «أخيرة» يمكن أن تعيد الحرارة إلى جسد الاتفاق الميت سريرياً منذ 8 أيار 2018.
دخول الاتحاد الأوروبي على خط «الوساطة» (وهو في الأصل صلة الوصل وحامل الرسائل والردود بين الوفدين الإيراني/والأميركي في مباحثات فيينا)، لم تكن صدفة بل إنّ الولايات المتّحدة كما إيران راغبتان في استمراره بهذه المهمة خشية الذهاب إلى المجهول, في ظلّ أجواء ومناخات دولية عاصفة، ليس أقلها تداعيات الحرب في أوكرانيا وخصوصاً «قلق» واشنطن المُتصاعد من ارتفاع أسعار النفط, وفشل إدارة بايدن لدفع الدول المنتجة وبخاصة الدول الخليجية (دع عنك فنزويلا) في ضخّ المزيد من النفط في الأسواق العالمية, بهدف كبح التضخم وخصوصاً تسهيل مساعي الدول الغربية بحظر النفط الروسي، زِد على ذلك قناعة واشنطن أنّ طهران ليست في عجلة من أمرها للعودة إلى الاتفاق, خاصّة بعد ارتفاع أسعار النفط وتواصل إنتاجها «العادي» (ما يقرب من أربعة ملايين برميل) دونما تأثير يُذكَر للضغوط الأميركية القصوى التي فرضها ترمب وواصل بايدن التزامها.وصول انريكي مورا/المنسق الأوروبي لمفاوضات فيينا بين وفديّ واشنطن/وطهران اليوم الثلاثاء إلى ايران، يستقطب اهتمام العواصم ذات الصلة بجهود إحياء الاتفاق الذي وصلَ إلى طريق مسدود, بعدما تبدّد التفاؤل بقرب التوصل إلى اتفاق يعيد العمل به, خاصة بعد ترويج واشنطن أنّ «أمتاراً قليلة» تفصل عن نقطة العودة فإذا بها تبتعد كثيراً، لتصعد واشنطن إلى شجرة عالية فيما رسمت طهران خطوطها الحمراء خاصة المتعلقة برفع اسم الحرس الثوري من قائمة المنظمات الإرهابية.مسؤول الخارجية في الاتحاد الأوروبي/جوزيب بوريل وصف المسعى الذي يقوم به نائبه اليوم في طهران بأنّه «الرصاصة الأخيرة», مُكرراً العبارات والمصطلحات التي واظب وزير الخارجية الأميركية/بلينكن إطلاقها, ومفادها أنّ «المفاوضات لا يمكن أن تستمر إلى الأبد»، فيما يتولى متحدّث الخارجية الأميركية/نيد برايس الإعلان, بأنّ «واشنطن مُستعدة الآن بشكل متساوٍ لسيناريو تتمّ فيه العودة المتزامنة للامتثال بالاتفاق النووي, أو لآخر لا يكون فيه اتفاق», وهذا الموقف ترجمة لعبارة المساومة/والضغط الأميركية المعروفة التي تقول: «اقبله كما هو أو اتركه».طهران من جهتها تبدي تشدداً مماثلاً ولكن في أجواء مريحة وليست ضاغطة كما تراها، خاصّة أنّ واشنطن التي تراجعت عن استعدادها رفع اسم الحرس الثوري من قائمة المنظمات الإرهابية، خوّلت -في ما يبدو- الوسيط الأوروبي طرح حلّ وسط (كما يراه بوريل/وأنريكي مورا) يقوم على رفع اسم الحرس فقط, مع الإبقاء على باقي مؤسساته وشركاته وكياناته وخصوصاً فيلق القدس، مُعتبرة/واشنطن أنّ الاقتراح الذي طرحه بوريل بوحي منها ربما بأنّه «نقطة التوازن المُمكنة الوحيدة».هذا يُظهره المشهد المعلن، ما يدعو للتساؤل عن سرّ موافقة طهران على استقبال الوسيط الأوروبي/مورا, بعدما رفضت استقباله قبل ذلك, ما دام سيطرح مقترحاً كهذا يدرك أنّ طهران لن تقبله، خاصّة مسألة الفصل بين الحرس الثوري وذراعه الأهم/فيلق القدس المرتبط باسم الفريق قاسم سليماني الذي اغتالته إدارة ترمب في بغداد, وحيث لم تنجح كل محاولات إدارة بايدن في استصدار قرار من طهران بالتخلي عن «الانتقام» لعملية اغتياله، على ما كشفته وسائل إعلام أميركية/وأوروبية.لا تغيب إسرائيل بالتأكيد عن هذا الموضوع, إذ تتواصل المشاورات/والتنسيق والمناورات العسكرية بين تل أبيب/وواشنطنً، يترافق ذلك كله مع تسريبات مقصودة, بأنّهما لن تقفا موقف المتفرج حال انهيار المفاوضات, وأنّهما لن تدخرا جهداً من أجل إحباط البرنامج النووي الإيراني والحؤول دون طهران والوصول إلى عتبة تخصيب اليورانيوم بنسبة 90% وهو المستوى الذي يُمكِّنها من صناعة قنبلتها النووية, رغم أنّ دوائر سياسية وعسكرية وأمنية في دولة العدو الصهيوني ترى أنّ العودة للاتفاق النووي «أفضل» بكثير من فشله.هل تنجح مهمة الوسيط الأوروبي في طهران اليوم, أم يتمّ الإعلان عن انهيار جهود إحياء هذا الاتفاق؟الانتظار لن يطول لمعرفة النتيجة.kharroub@jpf.com.jo