من الظواهر المؤسفة التي ترافق رحيل شهر رمضان المبارك انخفاض منسوب العبادة والتعبد من خلال التردد على المساجد وتدني منسوب الصدقات والزكوات، وكلها من أبواب العبادات المفروضة للتقرب إلى الله جل في علاه، وهي عبادة موسمية، لكن رحمة الله فتحت لعباده أبواباً أخرى للتقرب له ونيل رضاه ومغفرته على مدار العام، وهذه الأبواب من أبواب العبادة تجعل من يمارسها يجمع بين الحسنيين، لأنها تقرب إلى الله من جهة وتحسن حياة الناس الدنيوية من جهة ثانية، فهي عبادات تفيد الإنسان في حياته الدنيا وتخدم مجتمعه، وأول ذلك إعمار الأرض تحقيقا لخلافة الإنسان لله على الأرض، وإعمار الأرض التي هي وطن الانسان يكون بالعمل المنتج والمتقن، الذي على كل فرد أن يقوم به في محيطه الصغير ومجتمعه الكبير.
وإذا كان إعمار الأرض باب من أبواب العبادة التي تقرب إلى الله، فإن حب الوطن هو الآخر باب واسع من أبواب العبادة والتقرب إلى الله، لذلك حث رسول الله عليه السلام على التمسك بالوطن وخدمته، وظل وهو في المدينة المنورة شديد الحنين إلى مكة المكرمة، رغم أن أهل مكة آذوه واخرجوه منها، لكن رسول الله بتعلقه بمكة وحنينه إليها يعلمنا أن العلاقة بالوطن ليست علاقة غنيمة وفوائد مادية، لكنها علاقة قيم ومبادئ ومفاهيم لا علاقة لها بالربح والخسارة، لذلك اعلمنا عليه السلام أن من مات دون وطنه مات شهيدا.كما علمنا عليه السلام أيضا أن التعبير عن حب الوطن لا يكون بالشهادة دفاعا عنه فقط، بل بالإخلاص له، من خلال قيام الإنسان بعمله بإتقان وإخلاص مهما صغر هذا العمل أو كبر، فالمطلوب في كل الأحوال هو الإتقان والإخلاص وعدم الغش، والأهم من ذلك كله إنجاز الأعمال بأوقاتها دون تأجيل أو تسويف أو تأخير خاصة في الدوائر والمؤسسات العامة، لأن إنجاز العاملين في المؤسسات العامة لأعمال وظائفهم يوجد راحة عامة لدى الناس ويبني ثقتهم بدولتهم، ويسد المنافذ التي قد يتسلل منها أعداء الوطن مستغلين غضب الناس من تأخير أعمالهم ومعاملاتهم ومصالحهم، وهنا نستذكر قوله عليه السلام "انك على ثغرة من ثغر الإسلام فلا يؤتين من قبلك" والثغرة ليست عسكرية بالضرورة، فكل في عمله مرابط على ثغرة من ثغور الوطن، عليه أن يحميها بالإنجاز والإتقان، ومن خلال عون الناس وقضاء مصالحهم، من خلال حسن استغلال الوقت في إنجاز هذه المصالح، وحسن استثمار الوقت هو الآخر باب من أبواب العبادة التي يسأل عنها الإنسان فيما قضاه، بل لعل الوقت هو رأس المال الحقيقي للإنسان وهو رأس مال لا يعوض إذا خسره صاحبه، فلنحسن استثمار أوقاتنا في خدمة بلدنا وبنائه، خدمة لذواتنا وذريتنا.كثيرة هي أبواب العبادة من خلال خدمة الأردن لعل من أهمها نشر الروح الإيجابية ومحاربة السوداوية والتشاؤم واليأس والإحباط، وقبل ذلك محاربة سوء الظن الذي تغذيه الإشاعات الهدامة التي تفتك ببنيان المجتمعات، واستبدال ذلك بالنصيحة والدعوة الصالحة لأولياء الأمور، فقد أمرنا عليه السلام بأن ندخر الدعوة المستجابة لهم، وهذه كلها من صور العبادة التي يمكننا أن نمارسها في كل أيام العام وشهوره، جعلنا الله وإياكم من عواد رمضان وكل عام وانتم بخير.