الامن في معناه العام يعني غياب الخوف، وانعدام التهديد الحقيقي على أية احتياجات أساسية وضرورية، ولذلك يختلف شكل وبناء النظرية الأمنية حسب التحديات والتهديدات التي تواجهها، ففي القرن العشرين، كانت نظريات الامن تدور حول فكرة أمن الدولة من التهديدات الخارجية، كالعدوان الأجنبي مثلا، وانعكست طرق الدول واختياراتها في مواجهة هذه المخاطر على المجتمعات ونمط حياة الافراد، نظرًا للدور الكبير الذي كانت الدول تلعبه في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والإعلامية.
مع مطلع القرن الحادي والعشرين تغيرت شكل التهديدات التي تواجه الدول والمجتمعات اذ ان وجود الجيوش النظامية القوية أو أجهزة الامن المحترفة لم يعد كافياً لمواجهة التحديات الجديدة كالإرهاب، الذي يحتاج مجتمعًا يقظا ومتماسكًا لتجفيف منابعه، أو الازمات الاقتصادية التي تحتاج الى اقتصاديات ذات إنتاجية حقيقة لاستيعاب صدماتها، أو التغيرات المناخية كشح المياه وانخفاض نسب الهطول وتهديدات الامن الغذائي.كما تغير شكل ومدى تأثير وانخراط الدول بالكثير من الملفات فلم تعد تحتكر ملف الاعلام وتوجيه الرأي العام وتقديم الخدمات الصحية والتعلمية، اذ عملت وسائل التواصل الاجتماعي والتجارة الحرة والعولمة على اختصار المسافات الجغرافية والثقافية بين الشعوب والدول وهذا حمل بين طياته اتساعاً لدائرة التأثير للتحديات وارتداداتها، كالأزمة المالية عام ٢٠٠٨، أو أزمات اللجوء وغيرها.قصور النظريات الأمنية القديمة عن علاج التهديدات الحديثة قد يتضح في حبس أو تغريم من يحاول الانتحار الذي سنته الحكومة مؤخرا لعلاج هذا المرض النفسي الذي يعاني منه المجتمع، والعقوبة هنا لن تعالج المريض، بل ستزيد حاله سوءا أو تدفعه للتأكد من نجاح محاولة انتحاره بدل مواجهة السجن، فالقوة قد تنفع مع العدو الخارجي لكنها لن تجدي مع المريض، وكان الاحرى مد يد العون النفسية والاقتصادية للمقدم على الانتحار بدل تخويفه.إعادة هندسة النظرية الأمنية من إطار الامن القومي الى الامن الإنساني ضرورة لمواجهة التحديات الجديدة الطارئة بفاعلية، فمواجهة تهديدات الامن الغذائي لا تعني توفر المحاصيل في الصوامع فقط، بل تمتد الى ايصالها لبطون الجوعى كذلك وهذا يتشعب الى تغيير أدوات القياس الاقتصادية عمومًا ليعاد تركيز مراجعها على الفرد بدل الأداء العام للدولة ومخزون بنكها المركزي من العملات الصعبة.وكذلك الحال في جميع الملفات، فنحن لا يمكن أن نقيس فعالية خططنا التنموية الاقتصادية بقياس عجز الموازنة أو نسب النمو واهمال معدلات البطالة ومتوسط الأجور التي تعكس حالة الامن الاقتصادي للمجتمع بشكل أدق، ولا يمكن أن تقاس جودة التعليم بعدد المدارس والجامعات، بل يجب أن تقاس بنجاح خريجيها في المجالات العملية وتحصيلهم المعرفي، وقس على ذلك.أمن الانسان اليوم هو اللبنة الأساسية لأمن الدولة، فالتهديدات الاقتصادية والاجتماعية وحتى الإرهابية أقرب وأكثر واقعية من تهديد الاحتلال الأجنبي، والامن الإنساني يمتد ليشمل الامن الاقتصادي والاجتماعي والنفسي والسياسي، وكل هذه ملفات ساخنة يجب تأمين مكان الخطر الداهم فيها لحفظ وحدة المجتمع وتماسكه وأمن البلاد والعباد.Saifalrawashdeh0@gmail.com
أمن 'الإنسان' الأردني
مدار الساعة (الرأي) ـ