لقد فضَّل الله الرُسُلَ (وهم أعلى مرتبة من الأنبياء) بعضهم على بعض وضرب مثلين على ذلك سيدنا موسى عليه السلام الذي كلَّم الله تكليما، وسيدنا عيسى عليه السلام الذي أيَّده الله بروح القُدُس جبريل عليه السلام (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَٰكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (البقرة: 253)). كما فَضَّل الله النبيين بعضهم على بعض وضرب لنا مثلاً وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَىٰ بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (الإسراء: 55)). وهذا التفضيل للرسل والأنبياء، يمكن أن نعزي سببه لإختلاف الأزمنه التي عاشوها وعاصروها من صفات وقدرات وإمكانات للناس. فعلى زمن موسى عليه السلام كان السِحر هو المسيطر على الناس فأيد الله سيدنا موسى بتسع آياتٍ ومنها عصاه التي أصبحت حية تسعى فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ، فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ، قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ فخروا له ساجدين (طه: 69-71)).
وعلى زمن عيسى عليه السلام كان الطب مسيطراً على الناس فأيده الله بما يقنع الناس بقدراته وإمكاناته التي منحها الله له (وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (آل عمران: 49)). وكذلك جعل الله بني آدم خلائفاً له في الأرض ورفع بعضهم فوق بعض درجات في الصفات الخلقية والخلقية والقدرات والإمكانات (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (الأنعام: 165)). ولقد فضَّل الله بني إسرائيل على العالمين (يا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ، وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (البقرة: 47، الجاثية: 16)). وهذا التفضيل سواءً لبني إسرائيل أوغيرهم من بني آدم هو إبتلاءٌ وإمتحانٌ لهم، فهل تم إستخدام هذا التفضيل في ما يُرْضِى الله؟ وفي إتِّباع أوامره؟ وإجتناب نواهيه؟ أم لا؟ في التعامل مع غيرهم من بني آدم، وقد أكد الله أنه سريع العقاب في حقوق البشر وأنه غفورٌ رحيمٌ في حقوقه مع خلقه. وكأن الله يقول لبني إسرائيل وغيرهم ممن فضَّلهم على غيرهم ممن خلق، لا تظلموا غيركم ولا تظالموا بين أنفسكم، ورغم ذلك فإن الظلم بين بني آدم منتشر بشكل كبير على مستوى العالم للأسف الشديد.
تَفْضِيْل اَلْرُسُل وَاَلْأَنْبِيَاء وَبَنِي آدَم بَعْضَهُم عَلَى بَعْضٍ
مدار الساعة ـ