تبرز «القدس» في صدارة اهتمام الطرح «الكونفدرالي» الذي اقترحه معهد الأمن القومي الإسرائيلي, على نحوٍ يتّسم بالغموض الشديد في بعض جوانبه, حيث يقول معدّو الخطّة: إنّ مدينة القدس ستكون عاصمة مُشترَكة للدولتين، وسيكون «للولاية» سلطة قضائية لكلّ دولة على «أجزاء» من المدينة حسب تواجد مواطني أي فريق، بمعنى أنّ المساحة الأكبر ستكون لصالح السلطة الصهيونية, خاصّة إذا ما تمّ اعتماد مصطلح القدس الكبرى، حيث تحيط المستوطنات اليهودية الضخمة بالمدينة المُحتلّة, على نحوٍ يكون فلسطينيو المدينة أقليّة كما تظهر في الإحصائيات ا?تي تُصدرها بلدية المدينة المُحتلة.
ثمَّة إشارة أخرى لافتة بشأن منطقة الحرم القدسي, الذي ستتركز فيه -وفق الخطّة- أو في جميع أنحاء المنطقة القديمة للمدينة «آلية مشتركة» للإدارة المحلية الفلسطينية/الإسرائيلية، كـ"آلية» للتعامل مع الخلافات بين الطرفين، أمّا في ما خصّ جوانب المُواطنة/والإقامة، فسيكون هناك «تمييز» بين المواطنة/والإقامة في كلّ دولة. حيث يكون اليهود مواطنين في إسرائيل، حتّى لو كانوا يعيشون داخل الأراضي الفلسطينية, وسيكون لهم الحقّ في التصويت في الانتخابات العامة وفي الانتخابات المحلية والمُقيمين الدائمين الذين يعيشون هناك، كما ـ يس?طردون- يحقّ للسلطة المحلية التصويت، بصرف النظر عن جنسيتها التي تقع تحت سلطة وقضاء الدولة بصرف النظر عن جنسيتها.متاهة من الإشارات والمُحددات التي لا تقول شيئاً لكنّها تستبطِن الكثير, إذا ما وعندما يبدأ البحث في التفاصيل, على النحو الذي خبِرناه في «تفسير» بنود اتفاق أوسلو وملحقاته, والفخاخ التي تمّ نصبها في اتفاق باريس الاقتصادي.ماذا عن المحور الثالث؟يُركز هذا المحور على وجود «مُنتدى» لاتخاذ القرار، إذ يتشكّل من مُمثلين من كلتا الدولتين، أمّا أثناء تنفيذ القرارات المتّخذة على المستوى الكونفدرالي في أراضي كلّ ولاية, فَستُحدده سلطات تلك الدولة.ما يفرض أيضاً وجود «آلية لحلّ النزاعات» كأمر ضروري، بالنظر إلى «المكانة المتساوية» بين الدولتين (الفلسطينية/والإسرائيلية يقصِدون) كمسألة سياسية، وهنا على ضوء النموذج الذي يطرحه مُعدّو الخطة فإنّهم يرون من الضروري وجود «طرف ثالث» للتغلّب على «الجمود", ويفسّرون إشراكه أو قيامه بهذا الدور عبر توصيفه كطرف «خارجي فاعل» للعب دور مؤثر كبير ومُراقب.لم تتنهِ عناوين المحور الثالث..إذ يُشار إلى طريقة «تمويل» الحكومة الفيدرالية, التي يجب في نظرهم أن تكون مُحددة هي الأخرى، ما يعني أنّ إسرائيل -كما يقولون- ستضطر إلى المساهمة بشكل أكبر في ميزانية الدولة الفلسطينية، على ضوء التفاوت الاقتصادي بينهما. أمّا المشاركة الفلسطينية -وما نزال في المحور الثالث- في الحكومة, ستكون وفق الانتخاب في الدولة الفلسطينية، فيما سينتخِب الإسرائيليون الحكومة في دولة إسرائيل, مع التأكيد والحزم بأنّ الفلسطينيين «لن» يُشاركوا في وضع القرار في إسرائيل، بصرف النظر عن القرارات التي تخض? لسلطة الكونفدرالية/والحكومة.نأتي إلى المحور الرابع..يضيئ هذا المحور على «حرية» التنقل داخل الاتحاد الكونفدرالي، إذ ستكون هناك حدود «مُحددة» بين الدولتين، ولكن لن تكون هناك حدود منفصِلة مقامة بجدار أو سلك فاصل, وسيتمّ السماح بحرية التنقل بين الدولتين، وفي حالة وجود عمليات تفتيش عند نقاط العبور بين الدولتين فهذه ستطبق بالتساوي على كلا الجانبين، عند الدخول إلى إسرائيل والدخول إلى الدولة الفلسطينية، ناهيك عن فرض قيود على «نقل» مَسكن الفرد بين إسرائيل والدولة الفلسطينية, لضمان أنّ طابع كلّ دولة سيبقى على حاله.ماذا عن قضية اللاجئين؟هنا تكمن المعضلة الأساسية، حيث يبذل منظرو الدولة الصهيونية كل ما يتوافرون عليه من خبث استعماري ودهاء كولونيالي, للطمس على هذه القضية وتفريغها من مضامينها وبخاصة إجهاض حق العودة, عبر صياغات غامضة وملتبسة عندما يقولون: ستُقرر «كل» دولة بشكل مستقل شروط المواطنة الخاصة بها، ما يعني أنّه «وِفقاً لذلك» ستكون الدولة الفلسطينية «قادرة» على تحديد مَن له الحق في الحصول على الجنسية الفلسطينية، و"قد» تكون -يُضيفون- قادرة على السماح بالعودة لـ"بعض اللاجئين وأحفادهم» مِن الخارج للدولة الفلسطينية، ما لم -يَشترِطون- يكُن ?لك مُستَبعدا أو مقيداً في الاتفاق بين الاثنين، ويُمكن اعتبار ذلك -دققوا هنا جيداً- جزءاً من حل قضية اللاجئين!!تبقى أخيراً الجوانب الأمنية..ستكون-وِفقاً للخطة–كل دولة مسؤولة عن الأمن الداخلي داخل حدودها، وستكون بها قواتها الأمنية الخاصة، فيما يعتمد النموذج الكونفدرالي على فكرة المساواة بين الدولتين، ومع ذلك -يُضيفون كتحذير- قد يكون من المُمكن «الاتفاق» على الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح وقوات أمن محدودة فقط. (!!)لكن الاشتراطات والإشارات الحمراء تتواصل، خاصّة عندما يقولون في البداية انّ احتفاظ إسرائيل بحق قواتها الأمنية القيام بعمليات في أراضي الدولة الفلسطينية, مخالف للفلسطينيين وسيادة الدولة، لكن -وهنا القطبة غير المخفية- سيُعطي الفلسطينيون موافقتهم على هذا الحق بشكل مؤقت, بحيث لا يكون ترتيباً دائماً. ثمّ يأتي ما هو أخطر على نحو يُطيح كل ما سبق قوله عن دولتين «ذات سيادة»، عندما يُشيرون إلى أنّ الحكومة الفيدرالية «ستكون مسؤولة عن الخارج الآمن»، ويمكن أن تُسند هذه المهمة إلى قوات الأمن الإسرائيلية، مع إدراج «مُحتمَ?» لقوات الأمن الفلسطينية والسيطرة على الحدود, لـ"تبرير وجود عسكري إسرائيلي (دائم) في وادي الأردن.فهل ثمّة شكوك لدى أحد بأنّ كلّ ما طرحه ويطرحه الصهاينة, واولئك الذين يتبنون وجهة نظرهم الاستيطانية/الإحلالية/العنصرية, إنّما ينطلق من قاعدة «التفوّق» الصهيوني أمنياً وسياسياً/وخصوصاً عسكرياً، ودائماً رفض الاعتراف بحقّ الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وبخاصّة حقّ العودة. وما «إقتراح» قيام ثلاث ولايات في فلسطين التاريخية, سوى بعض تفصيلات هذه المتاهة الصهيونية «الجديدة».kharroub@jpf.com.jo