تغيرت ظروف الشرق الأوسط السياسية منذ تفجر ما سمي بربيع العرب، فقد تطورت الأوضاع على شكل انقلاب كامل في علاقات كثير من الدول العربية مع إسرائيل، وعلى نحو أفقد الأردن ميزة المرجعية السياسية التي كانت لمعظم العرب، عند الحديث في أي شأن يخص قضية فلسطين.
تلك حقيقة لا مجال للتغاضي عنها. وهي واقع غير كذلك ولو جزئيا، نظرة اليمين المتطرف المتحكم حاليا، في كل مفاصل السياسة الإسرائيلية، نحو الأردن، معتقدا بأن لديه الآن بدائل أخرى غير الأردن.هذا الواقع المستجد طابعه سياسي كامل، لكنه من وجهة نظر الاحتلال، يخدم بصورة أو بأخرى، الحملة الدينية التي تلبس لبوسا سياسيا لغايات التهويد والهيمنة على كامل التراب الفلسطيني، والأهم، تحقيق حلم الهيكل المزعوم من خلال خلق واقع جديد في المسجد الأقصى.ملخص ما سبق، هو أن الأردن فقد أوراقا سياسية ولو مرحليا من حيث التأثير في مجريات القضية، خاصة في ضوء تخلي الولايات المتحدة والغرب عموما عن ممارسة أية ضغوط على الاحتلال بحجة ترك الأمر للطرفين الإسرائيلي والفلسطيني ليقررا ما يمكن التوصل إليه.عمليا، الأردن اليوم بحاجة إلى تغيير استراتيجيته التاريخية في التعامل مع الاحتلال ومع مجمل القضية الفلسطينية.الاستراتيجية التي أعني، يفترض أن تحاكي الاستراتيجية الاحتلالية، من حيث الجمع الذكي بين السياسة والدين معا.هذا يعني، أن يوظف الأردن المدد الشعبي الإسلامي والمسيحي الشرقي، كورقة ضغط وقوة كبرى لا أحد غيره يملكها.أما كيف ذلك.. فالأردن مملكة تحكمها أسرة هاشمية يمتد نسبها إلى بيت النبوة المشرفة، وهي أسرة لها تقدير مرجعي خاص كبير ومهم، لدى أوساط الشعوب الإسلامية الأجنبية والعربية.هذه المرجعية الفطرية إذا ما تم تفعيلها بذكاء وهدوء، ستكون أقوى بكثير من كل المرجعيات السياسية التي فقد الأردن بعضا منها بفعل التطورات الإقليمية الأخيرة.إسرائيل وكل قوى النفوذ الدولي، تدرك جيدا، أن بمقدور الأردن إحداث فرق كبير في مجمل الصراع بما يصون مصالحه الوطنية والقومية، إذا ما نحى هذا المنحنى في مخاطبة الشعوب الإسلامية للانتصار لمقدساتها في فلسطين.الشعوب الإسلامية وبالذات الأجنبية، من أشد الشعوب تعلقا بالمقدسات وحرصا على نصرتها ورفض المساس بواقعها الديني والتاريخي.إسرائيل تعرف ذلك جيدا، والأردن قادر ولو إعلاميا ابتداء، على التلويح بهذه الورقة القوية الفاعلة، إن هي تمادت وتوهمت قدرتها على تحدي مشاعر ١٤٠٠ مليون مسلم حول العالم.دعونا نفكر مليا بخطوات سياسية تنذر الاحتلال بما هو أقسى، حيث انتفاضة إسلامية كبرى غير مسبوقة حول العالم ضد الاحتلال ومخططاته بشأن المقدسات وسائر فلسطين.آخر الدواء الكي، ولا بد للغطرسة الإسرائيلية من أن تدرك ذلك عيانا، وأن تعلم أن بيد الأردن تحديدا، الورقة الأقوى والأشد التي ترغمها على العودة عن أحلامها البائسة والإذعان لمنطق الحق والسلام. والله من أمام قصدي.
الأمن الوطني الأردني والعلاقة مع 'الاحتلال'
مدار الساعة (الرأي) ـ