في واشنطن كما العواصم الأوروبية يحبسون أنفاسهم «اليوم», في انتظار ما سيقرّره الناخِبون الفرنسيون, إزاء معركة انتخابية ساخنة/وحاسمة, بين الرئيس المنتهية ولايته/ماكرون, ورئيسة حزب التجمّع الوطني اليمينيّ المُتطرف/ماري لوبان, (هي المنافسة الثانية بينهما, كانت الأولى/2017), وسط حال من الاستقطاب الداخلي و"الاستنفار» الخارجي, ما أكسبها أهمية إضافية ليس فقط في ما آلت اليه الجولة الأولى في 14 الجاري، بل خصوصاً في ما تشهده العلاقات المتدهورة والمرشحة لمزيد من التدهور وربما الانزلاق الى مواجهة عسكرية بين المعسكر الغ?بي بقيادته الأميركية/ حلف الناتو, وما بادرت اليه فرنسا وألمانيا وبولندا ومعظم دول الاتحاد من خطوات غير مسبوقة, عبر توفير دعم عسكري/سخِيّ لأوكرانيا, بعدما «افشلوا» اي حل سلمي للتوتّر بينهم وروسيا, خاصة مطالبة الأخيرة بضمانات أمنية من بينها إغلاق باب الناتو أمام نظام كييف, الذي يحكم اليمين المتطرف والنازي الأوكراني قبضته عليه, ناهيك عن عدم توسّع الحلف في جمهوريات الإتحاد السوفياتي السابق.
وسط رهان أوروبي وأميركي على فوز ماكرون ومخاوف ماثلة لاحتمالات فوز المرشحة اليمينية, برزت مؤشرات على تغييرات في اهتمامات الناخبين الفرنسيين, ليس فقط في النسبة المفاجئة التي حصل عليها لوك ملنشون/مرشح حزب/فرنسا الأبية اليساري, الذي يُوصف بـ «أقصى اليسار", ولم تفصله سوى نسبة ضئيلة من الأصوات كي يتأهل للدورة الثانية في مواجهة ماكرون، بل وأيضاً في ارتفاع منسوب القلق لدى أصحاب القرار في واشنطن وبروكسل, الذين استعادوا سيناريوهات «صادمة» سابقة, مثل فوز الرئيس الأميركي السابق ترمب/تشرين الثاني 2017, وخصوصاً استفتاء ?ريكست البريطاني/تموز 2016 بتصويت 51.9 % من البريطانيين الخروج من الاتحاد الأوروبي, وهو تم رسمياً في اليوم الأخير من العام 2020 بعد عضوية دامت50 عاماً.فهل يُحدِث الفرنسيون «الصدمة» الثالثة... غربِياً بعد صدمتيّ ترمب وبريكست؟الاحتمالات مفتوحة خاصّة في ظل تدخلات أوروبية/وأميركية سافرة ومُعلنة بل ومكتوبة, على النحو الذي شارك فيه ثلاثة من رؤساء حكومات أوروبية هم المستشار الألماني/شولتس والإسباني/سانشيز والبرتغالي/ كوستا, عبر مقالة مُشترَكة في صحيفة لوموند الفرنسية, دعوا فيها صراحة لانتخاب ماكرون والتحذير من مغبة انتخاب لوبان. صحيح انهم لم يذكروا الأسماء إلاّ أنهم لم يُجهّلوهما, عندما كتبوا حرفيّاً:الاختيار هو بين «مُرشّح» ديمقراطي, يعتقد ان فرنسا تبقى أقوى كجزء من اتحاد أوروبي قويّ ومستقل, و"مُرشّحة» من أقصى اليمين, منحازة صراحة?الى أولئك الذين يهاجمون حريتنا وديمقراطيتنا.مَن هم هؤلاء الذين يُهاجمون حرية وديمقراطية الأوروبيين؟هنا تولّت نائبة أميركية ديمقراطية/كان «جمهورية» سابقاً... اسمها جين هاريمان, مُحذرة من التأثير والتلاعب «الروسي في الانتخابات الفرنسية»، رغم أن أحداً في فرنسا لم يتحدّث عن تدخل «روسي» في تلك الانتخابات, على النحو الذي فعله «ديمقراطيو» هيلاري كلنتون واوباما/وبايدن, بعد فوز ترمب في الانتخابات الرئاسية/2016, ولم يتوقفوا منذ ذلك الحين عن تكرار سيناريوهات التدخل الروسي/والهجمات السيبرانية التي تُتهم موسكو باقترافها.وحده ماكرون وظّف مواقف لوبان تجاه موسكو وخصوصاً «القرض» الذي حصلت عليه/عام 2015 من أحد البنوك الروسية, فضلاً عمّا ورد في برنامجها الانتخابي تجاه موسكو في شأن رفض العقوبات على مستوردات أوروبا من نفط روسيا وغازها, ناهيك نيتها سحب عضوية فرنسا من الشق العسكري لحلف الناتو (كما فعل الجنرال ديغول/عام 1966 ولم تعد باريس الى هيكل القيادة العسكرية للحلف الّا في عهد الرئيس الأسبق ساركوزي/عام 2009).فكيف يمكن تفسير تدّخل ثلاثة من رؤساء حكومات أعضاء في الاتحاد الأوروبي, عبر دعوتهم العلنية/والمكتوبة في الصحيفة الفرنسية الأشهر والأوسع تأثيراً وتوزيعاً/لوموند، وماذا ستكون ردود أفعالهم لو قام اي رئيس حكومة أو دولة غربية, وليس مسؤول روسي أو صيني بالدعوة الى انتخاب المُرشّحة اليمينية/لوبان؟في الخلاصة.. ورغم ما قالته استطلاعات الرأي خاصة بعد المناظرة الساخنة التي جرت بين ماكرون ولوبان مساء الأربعاء الماضي, وما قيل عن فارق لصالح ماكرون بعدما «أبلى حسناً» فيها, خاصّة اتهامه لوبان بأنها تُؤسّس لـ"حرب أهلية» في دعوتها الى حظر الحجاب إذا ما فازت. فإن الجزم ببقاء ماكرون في قصر الأليزيه يبدو مثابة استباق لما ستُفرزه صناديق الإقتراع هذه الليلة.kharroub@jpf.com.jo