لقد كنت من أشد المتابعين لبرنامج الكاتب والإعلامي المصري الكبير حمدي قنديل رحمه الله، (قلم ورصاص), وأستميحه عذرا باستعارة هذا العنوان, كمدخل لتوضيح أهمية دور الإعلام في النزاعات الدولية. فإذا كان الرصاص رمزا للحروب, فالقلم رمز للإعلام، فجميعنا يعلم بأن الحروب لا تقتصر على المواجهات العسكرية, فالدول تخوض أثناء ذلك حروبا من نوع آخر, ألا وهي الحرب الإعلامية, التي لا تقل أهمية وتأثيرا أيضا في تحديد سير المعارك, فاذا ما أخذنا النزاع الروسي الأوكراني مثالا على ذلك، فمنذ بداية النزاع ودخول القوات الروسية الى الأراضي الأوكرانية, ونحن نشهد مقاطعة وعقوبات إقتصادية أميركية أوروبية كبيرة, رافقتها حملات إعلامية ضخمة سواء ضد النظام والجيش الروسي, استخدمت فيها كافة الوسائل الاعلامية المتاحة, لتشويه صورة الرئيس الروسي بوتين وجيشه أمام الرأي العام العالمي, تتهمهما بارتكاب كافة أنواع جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية. في حين أنها تقوم بالمقابل برسم صورة الضحية على الرئيس والجيش الأوكراني, لتبرير الدعم اللا محدود بالأسلحة والمعدات, والدعم المادي المقدم لهم, يرافقه توسع في فرض العقوبات الاقتصادية وحملة عالمية لدفع الدول على المشاركة في هذه العقوبات ومقاطعة روسيا.
لقد أثبتت التجارب على مر التاريخ, وعلى خلاف ما يعتقد البعض, بأن الحرب الإعلامية لا تقل أهمية في التأثير على أطراف النزاع, فهي وإن كانت في كثير من الأحيان لا تعكس واقع الحال, فمن المعروف بان الحروب التي تخوضها القوات العسكرية داخل المدن غالبا ما يتأثر بها المدنيون بشكل كبير. ولا بد أن تتعرض المناطق السكنية للقصف إذا ما أُستغلت في الحرب رغم الضوابط التي أقرتها (اتفاقيات جنيف) عام 1948 في القانون الدولي الانساني. وهذا ما استغلته الماكينة الإعلامية الأميركية الأوروبية بادعائها بوجود انتهاكات وجرائم حرب وإبادة بشرية, بنشرها لأخبار تفيد بتفوق القوات الأوكرانية, وحصولها على اسلحة متفوقة, أو ترويجها لأخبار عن عجز القوات الروسية من الدخول او اقتحامها للمدن والمناطق التي تسيطر عليها القوات الأوكرانية, فجميعها بالمجمل تعتبر أخبارا تهدف للتأثير معنويا على القوات الروسية والعكس صحيح, بالنسبة للقوات الأوكرانية.غالبا ما يترافق مع أي نزاع دولي دخول الأطراف في مفاوضات دبلوماسية, للوصول الى حلول سلمية لحل النزاع, وفي العادة تكون مجريات ونتائج المفاوضات انعكاسا لواقع المكاسب على أرض المعركة, يحاول فيها كل من الأطراف أن يساوم بها الآخر, ويستخدمها كأوراق ضغط أثناء المفاوضات. فالأوكرانيون كما قلنا يسعون لاستخدام ورقة إطالة الحرب, وعجز الروس عن حسم المعركة, وحصولهم على أسلحة متطورة, والعقوبات الاقتصادية جميعها كأوراق ضغط على الروس, وهنا يأتي دور استخدام الضغط الإعلامي كورقة اضافية في المفاوضات.وفي النهاية نختم بالقول فان كان للإعلام دور مهم في اظهار الحقيقة اثناء الحروب, لكنه في كثير من الاحيان يكون ليس كذلك، فإسرائيل تنتهك كافة القواعد المتعلقة بالقانون الدولي الإنساني, ولكنها تستغل الإعلام الدولي المنحاز, لتظهر بمظهر الضحية, فليس كل ما يقال أو ينشر في الإعلام صحيحاً أو يعبر عن واقع الحقيقة.
الحرب الإعلامية في النزاع الروسي الأوكراني
مدار الساعة (الرأي) ـ