لا يستقيم العمل السياسي وادارة الجماهير دون ممارسة الكذب على الجماهير او المواطنين او الاتباع, وثمة ثقافات منحت الكذب بعض تسامحات وقليل تسهيلات, والعقل العربي تشارك مع العقل الكوني في هذا التوطؤ, فأعذب الشعر أكذبه, والكذب ملح الرجال, وللتدقيق اكثر فإن المقولة الشعبية استخدمت مصطلح الرجال ولم تستخدم مصطلح الذكور, وهذه دلالة مهمة وتحتاج الى مراجعة وتمحيص, فصفة الرجال ملتصقة بالفروسية والقيادة, اي ان طبقة الوجهاء والنبلاء هم القادرون على الحصول على تسهيلات الكذب وامتيازاته دون ادانة، اضافة الى التساهل مع الكذب في الطرفة او الحكايات الممتعة.
تطورت معادلة الكذب واصبحت ملونة مع دخول الشاشات والاعلام الملونين، فصار هناك كذب ابيض وآخر اسود وثمة حالة رمادية بين اللونين مقبولة اجتماعيا، وحتى لا نحصر المسألة في محيطنا العام العربي والخاص الاردني، فثمة كذبات كبرى مارستها دول الليبرالية والحرية، قبلناها بحكم الضعف وسطوة الاعلام وكثيرا ما قبلناها لتصفية الحسابات مع الخصوم من الاشقاء وغيرهم، فيمكن شيطنة زعيم او نظام وقبول الكذب الخارجي والداخلي للاطاحة بنظامه وبه بضربة واحدة ويمكن اعتبار الليبرالية كنظام تفكير وتعبير ابرز منتجي الكذب الجديد، «فمع أنّ الليبرالية تزيد من «تحرر» الأفراد وتنقلهم إلى عزلة ونرجسية لا معنى لهما، فإنها تتجاهل حرية أعمق، وحرية العلاقات بين الأجيال وبلدان العالم والأخرى».فبدلاً من إنتاج ثقافاتنا الخاصة، التي ترتكز على الأماكن المحلية، المتضمنة أبعادها الزمنية الخاصة، والتي يتم تطويرها عادة من الميراث من الأقارب والجيران والموسيقى المجتمعية والفن ورواية القصص والأغذية، فإننا أكثر عرضة للاستهلاك المعبأ، ومع «الثقافة» الليبرالية تم إلغاء الخبرة المحلية، وبذلك يتم فقدان الذاكرة، وكل مكان يصبح كل مكان آخر متشابه، ويتم استبدال مجموعة من الثقافات الفعلية باحتفال «متعدد الثقافات» كما يقول دينين صاحب كتاب » نهاية الليبرالية ».انتاج الكذب صناعة متقدمة تستخدم كل الادوات التقنية والحداثية وصالحة للتعبئة والنقل، فثمة استوديهات لنشر الكذب وتصويره بأرقى الادوات اللازمة للتأثير على الرأي العام وثمة ماكنات متطورة لتوصيل الكذب وإعادة تثقيفه وتدويره، ويمكن ادراج مصطلح جديد للكذب خلاصته او صفته «الكذب النبيل» والذي يتمحور حول اطلاق سلسلة اكاذيب من اجل تمرير قضية ما.رهان الليبرالية واعوانها واتباعها رهان ممكن اعتمادا على ظاهرة فقدان الذاكرة الكونية والمحلية والعربية، فكل ما يجري اليوم محليا تجد له مماثلات عربية وكونية، فالعولمة تحققت حسب رغبة انصار الليبرالية، فما يردده شاب في ولاية تكساس عن اسلحة الدمار الشامل في العراق وعن حائط المبكى يتردد في محافظات واقاليم عربية، واحتفالية تجري في اي عاصمة تتلقفها باقي العواصم بالتقليد بالحسنى حتى دون تعريب، فمهرجانات البرتقال والبندورة والعنب والستيك والمنوعات الثقافية الكونية منتشرة في كل العواصم سواء كانت منتجة بالقدر الذي يؤهلها للمشاركة في هذه الكرنفال الكوني او تمتلك بضع شجيرات او تستورد ما تيسر من لحوم البقر، فنحن نعيش زمن الكذب النبيل الذي ليس له من اسمه اي نصيب.omarkallab@yahoo.com