إختار أحد أبرز أمراء الحرب الأهليّة اللبنانيّة, بل أكثرهم دموية وبطشاً وتنكيلاً, يوم الخميس الماضي 13نيسان الجاري, بما هو اليوم الذي اندلعت فيه أو قُل الذي دشِّن فيه حزب الكتائب الفاشيّ وذراعه العسكرية المُسمَّاة «القوات اللبنانية» تلك الحرب المُدمرة عام 1975, ليقوم سمير جعجع بإعلان برنامج مرشّحي حزبه الذي أبقى على اسم ذراع الكتائب العسكرية، بعدما سيطر على ترسانتها العسكرية (ومعظمها إسرائيلي المصدر) وماليّتها, وعديد من مقاتلي ما كانوا يصنّفون أنفسهم وما يزالون بـ«المقاومة اللبنانية» (طبعاً ليس مقاومة إسرائيل التي احتلّت بيروت لاحقاً بل في مواجهة أحزاب وقوى لبنانية وأخرى فلسطينية تلك الأيام).
ليس عبثاً اختيار جعجع لذكرى الحرب الأهلية موعداً لإعلان برنامج مرشحيه لانتخابات 15 أيار القريب النيابية، بل أراد «تذكيرَ» خصومه وهم كثر, بأنّه بات جاهزاً لمواجهتهم ليس فقط عبر صناديق الاقتراع بل خصوصاً على النحو الذي أجرى فيه «بروفة» 14 تشرين الأول الماضي، أو ما بات معروفاً بـ"كمين الطيونة", عندما أرسل ثلّة من قنّاصيه إلى سطوح بنايات حي الطيونة في بيروت للتصدي لتظاهرة مدنية أمام قصر العدل في بيروت، ما أسفر عن سقوط العشرات بين قتيل وجريح.ما يلفت الانتباه بيان جعجع في الحفل الصاخب هو تقمّصه لشخصية الرئيس الأوكراني زيلينسكي وإشادته (أكثر من مرة بالمقاومة الأوكرانية)، ما أعاد إلى الذاكرة ما كانت زوجته ستريدا/النائبة في البرلمان اللبناني قالته خلال اجتماع حزبي انتخابي أذار الماضي, بأنّه «وانطلاقاً مما هو حاصل مع الشعب الأوكراني, والموقف الذي اتّخذه رئيس الجمهورية الأوكرانية/زيلينسكي بالنزول إلى الأرض إلى جانب العسكر والشعب دفاعاً عن بلاده وأرضه، فقد ذكّرني هذا الأمر -أضافت * بـ«الحكيم» (تقصد زوجها), الذي يوازي نفسه بأقل عنصر في القوات اللبنانية/حزب زوجها وخصوصاً في مرحلة 1994، عندما أتته عروض عدّة للسفر إلى خارج البلاد، إلّا أنّه -واصلَتْ- رفضَ ذلك وقرر الدخول إلى المعتقل أسوة برفاقه».. مُستطرِدة أنّ موقف الرئيس الأوكراني ذكّرها بـ"كيف كان رئيسنا أثناء الحرب/الأهلية».وإذ يصعب صرف النّظر عن تزييف الحقائق التي انطوت عليها ذاكرة السيدة/ستريدا بشأن زوجها, فإنّ دخوله السجن عام 1994 لم يكن اعتقالاً ولم يكن خياراً, بل كان تنفيذاً لحكم بالإعدام تمّ تخفيفه إلى المؤبد أصدرته المحكمة العسكرية اللبنانية بحقه, بعد إدانته بـ«4» تُهم, أبرزها اغتيال رئيس الحكومة السابق رشيد كرامي/عام 1987, قضى منها 11 عاماً ولم يخرج من السجن إلّا في تموز/ 2005 بقرار من مجلس النواب (وليس من المَحكمة) بعد صفقة متعددة الأطراف كان أمراء الحرب السابقون «عرّابوها».ما علينا..حفل برنامج حزب جعجع لانتخابات/15 أيار الوشيك (هذا إن جرت) بكثير من الرسائل والإشارات وإدّعاء الحكمة واحتكار الحقيقة والوطنية, وغيرها من المصطلحات التي تعكس توجهاته العنصرية المحمولة على أبعاد طائفية/ومذهبية, وخصوصاً انعزالية لا ترى في الشريك الوطني سوى مُتطفل غير جدير بالمواطنة، أو أنّه «عميل» لقوى خارجية, عندما يقول «إنّهم لا يشبهوننا»، وأنّ «معركتنا اليوم هي معركة وجود، فإمّا أن نحافظ على ما تبقّى من لبنان ونستردّ ما خسرناه أو نشهد زواله»، مُستعيداً في نرجسية «بطولاته» في الحرب الأهلية، إذ قال:«حين يصبح لبنان منارة مَطفية، وخبرِية منسية وسقطات حتمية..» عندها أضاف في زهوٍ «عندها تصبح الانتخابات معركة وجودية وليست مجرد معركة سياسية، وبالتالي -استطرد في ما يُشبه التهديد بالقوة- ما خِلقت هيك معارك إلا للقوات اللبنانية».مصطلحات ومفردات لا تُقال إلّا تحفيزاً لحرب قريبة. والسؤال: ضد مَن سيخوضها جعجع هذه المرّة، خاصّة أنّه ألقى خطابه العنتري هذا من داخل قصره/قلعته المحصنة والمُدججة بالعتاد, على ما كشف «كمين الطيونة». والتي قيل أّنه/قصره المعروف بإسم: مِعراب كلف ملايين الدولارات.جعجع لم ينسَ وهو يتحدث عن المعركة «الوجودية» التي يخوضها من أجل لبنان, الدعوة إلى «حياد» لبنان, وأن يتمّ تطبيق اللامركزية المُوسعة فيه (أي تقسيم إلى كانتونات طائفية ومذهبية لحقاً), دون أن يأتي بذكر على البيان الذي أصدرته الخارجية اللبنانية بـ«إدانة» العملية العسكرية الروسية.، وعندما تمّ تذكيره وتذكير دعاة الحياد من «سياديين/ورجال دين بذلك، قالوا: إنّ المقصود بحياد لبنان إزاء الصراعات العربية». ماذا عن إسرائيل؟ أحد لا يجيب, لأنّ جدول أعمال هؤلاء لا يلحظ عدوان إسرائيل واجتياحاتها «سيادة لبنان».في نهاية خطابه التعبوي/والمشحون بالتحريض, حرِص جعجع على «توجيه التحية للشعب الأوكراني لكل التضحيات والبطولات التي يقدّمها على أرضه, والتي هي المثال الحيّ على تلاحم الجيش والشعب والمقاومة بصورة صحيحة وحقيقية وليس كما يحصل في لبنان». في انتصار واضح لخطاب إسرائيل/والقوى الانعزالية التي لا ترى فيها عدواً تجب مقاومته.kharroub@jpf.com.jo