مدار الساعة -في مطلع يناير/كانون الثاني 1863، أجري الإعلان النهائي لتحرير العبيد بالولايات المتحدة الأمريكية من طرف الرئيس أبراهام لينكون، لكن القرار التنفيذي لم يصبح دستورياً إلا بعد نحو 3 سنوات وتحديداً في 18 ديسمبر/كانون الأول 1865، بعد مصادقة مجلس الشيوخ على تعديل دستور البلاد للمرة الـ13 والذي تنص إحدى مواده حرفياً "لا عبودية ولا عمل إجبارياً باستثناء عقوبة على جريمة يجب أن يكون المذنب قد أدين بها".
ولكن رغم أن القانون الذي أقره لينكون يريد وضع حد للعبودية في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن لينكون بالمقابل لم يكن يؤمن بالمساواة بين الأعراق، ولم يكن يرغب في اندماج السود في المجتمع الأمريكي، بحسب ما جاء في موقع History الأمريكي، الذي استشهد بقرارات أخرى اتخذها لينكون على خلاف إعلان إنهاء العبودية، وكان أبرزها إنشاء مستعمرة للعبيد المحررين في جزيرة البقر.إنشاء مستعمرة للعبيد المحررين في جزيرة البقرفي ليلة الـ31 ديسمبر/كانون الأول 1862، أي قبل يوم واحد على الإعلان النهائي لتحرير العبيد، أمضى أبراهام لينكون، على عقد مع " بيرنارد كوك"، وهو مقاول وصاحب مزارع للقطن بولاية فلوريدا، حيث ينص الاتفاق على تمويل الحكومة الفدرالية الأمريكية لعملية نقل 5 آلاف عبد محرر من الولايات المتحدة إلى "جزيرة البقر"، الواقعة بالبحر الكاريبي وتسمى حالياً "Île-à-Vache"، والتابعة الآن لدولة هايتي.بحسب الموقع الأمريكي المهتم بالتاريخ، فإنّ لينكون، وقبل نحو شهر واحد من إمضائه على العقد مع كوك، كان قد اقترح في خطاب له بالكونغرس، تعديلاً دستورياً يسمح بإعادة توطين الأفارقة الأمريكيين خارج الولايات المتحدة. وقد وجد لينكون في فكرة برينارد كوك مُعطى جيداً لدعم اقتراحه المقدم لمجلس الشيوخ الأمريكي، وقد فضل تلك الفكرة عن الخيار الآخر الذي كان يتمثل في إرسال العبيد المحررين إلى مقاطعة "شيريكي" بدولة بنما في أمريكا الوسطى.وبحسب خطة كوك، فإنّ العبيد المحررين كانوا سيعملون في جزيرة البقر بمزارع للقطن، وتستفيد كل عائلة من سكن محترم ولها الحق في الرعاية الصحية اللازمة، ثم وبعد نهاية عقد عملهم المحدد بـ4 سنوات فإنّ كل واحدٍ منهم يستفيد من 180 ألف متر مربع (18 هكتاراً) من الأراضي المزروعة، إضافة لرواتبه نظير عمله طيلة تلك المدة.ولم يكن ترحيل العبيد المحررين إلى تلك المستعمرة الجديدة إجبارياً، ولكن لينكون وكوك والكثير من أنصار المقترح، كانوا يُروجون للفكرة ويشجعون على الهجرة، على غرار ما كتبه كوك في مقترحه "الزنجي الذكي يمكنه ولوج حياة الحرية والاستقلال، فهو يدرك أنه قد كسب أسباب العيش. وفي نفس الوقت يضبط نفسه على واجبات وملذات واحتياجات العمل الحر".اتهام لينكون بالعنصرية: عرقكم يعاني من العيش معنا وعرقنا يعاني من وجودكم!التقى لينكون، يوم 14 أغسطس/آب 1862 بوفد من المسؤولين السود في البيت الأبيض لتشجيع الهجرة الطوعية نحو بلاد أخرى غير الولايات المتحدة الأمريكية.ومما قاله الرئيس الأمريكي السابق لضيوفه بحسب ما ذكره الموقع التاريخي نفسه: "عرقكم يعاني من العيش بيننا وعرقنا يعاني من وجودكم.. لذلك من الأفضل لكلينا أن نفترق".وبالمقابل، وجدت فكرة استيطان العبيد المحررين خارج الولاية المتحدة معارضة كبيرة من طرف الأفارقة الأمريكيين حتى قبل أن تتبلور ويتم الإمضاء على عقد بشأنها.ومن أشد معارضيها، كان الخطيب والكاتب الزنجي فريديريك دوغلاس، الذي كان قد تحرر من العبودية قبل إعلان الرئيس لينكون، وكتب في العام 1849، بصحيفته The North Star: " عار على المذنبين البائسين الذين يتجرأون على الاقتراح، وعلى كل من يقبل مثل هذا الاقتراح. نحن نعيش هنا، لقد عشنا هنا، ولنا الحق في العيش هنا، ونية العيش هنا".ولم يحضر دوغلاس الاجتماع الشهير مع لينكون، ولكنه علم من خلال الصحافة ما قاله الرئيس، فكتب رداً عليه في مجلته الشهرية Monthly douglass: "المقترح يشبه الأسلوب اللطيف الذي يحاول من خلاله الرجل إخراج دائن مزعج من منزله أو شاهد على ذنب قديم".ولم يبالِ لينكون بمعارضي خطته ومضى قدماً في إنجازها، ولكن بداية العملية كانت بمثابة "فشل ذريع"، بحسب ما كتبه المؤرخ والمحامي الأمريكي غاراهام ولش، في موقع The Cupola التابع لمعهد الفنون والعلوم الليبرالية بولاية بنسلفانيا الأمريكية. ففي يوم 14 أبريل/نيسان 1863، غادرت باخرة أوسيون رانجر ميناء "مونرو" بولاية فيرجينيا نحو "جزيرة البقر" وعلى متنها 453 مهاجراً أفرو أمريكياً وكلهم أمل في حياة جديدة وسعيدة، ولكن وعند وصول الباخرة إلى مقصدها، في بداية شهر مايو/أيار من نفس السنة، كان 30 شخصاً على الأقل قد لقوا حتفهم بمرض الجدري، أما الناجون من المرض والموت فقد وجدوا بانتظارهم حياة البؤس والشقاء وعبودية جديدة من نوع آخر.المقاول الذي خان الجميع بمن فيهم الرئيس كوك الذي نصب نفسه مشرفاً على الجزيرة، خالف العقد وكذب على الجميع بمن فيهم الرئيس لينكون، حسب ما كتبه المؤرخ غاراهام ولش، إذ قال إن أحد المسؤولين الأمريكيين زار الجزيرة واكتشف الحقيقة المرة، فرأى الدموع والبؤس، وبدلاً من المنازل التي وُعدت بها، نامت العائلات على الأرض في أكواخ صغيرة مصنوعة من الخشب والقصب، كما قدم كوك الأجور بالعملة المطبوعة ذاتياً، والتي اضطر العمال إلى إنفاقها على الطعام والسلع بأسعار باهظة تُشترى من متاجر تابعة لشركة كوك، فقد كانت هناك سياسة "لا عمل.. لا حصص إعاشة".تذكر المواقع والصحف الأمريكية أن المسؤول أوصل المشاهد للينكون الذي كلف كاتب الدولة المُكلف بالحرب، ايدوين ستانتون بتجهيز سفينة حربية لإنقاذ المهاجرين بجزيرة البقر، في مطلع فبراير/شباط 1864، وبعد شهر عادت السفينة وعلى متنها 350 مهاجراً من الجزيرة.وفي يوم 20 مارس/آذار من نفس العام 1864، أمضى لينكون على مشروع قانون يُلغي بموجبه تخصيص 600 ألف دولار للمستعمرة الجديدة، بعد إنفاق 38 ألف دولار، ليكون ذلك الإلغاء بمثابة تراجع نهائي عن فكرة ترحيل العبيد المحررينعربي بوست