رغم نفي رياض سلامة حاكم/مُحافظ مصرف لبنان المركزي (المتهم بالفساد والممنوع قضائياً من السفر, والمحتجزة أرصدته البنكية في دول غربية عديدة بشبهة تبييض الأموال), وقوله: إنّ مصرف لبنان الذي يقوده منذ 30 عاما, عندما جاء به رفيق الحريري عام 1993, إلى هذا الموقع وتم التجديد له خمس دورات, ما يزال البنك ـ قال سلامة ــ مُستمراً في دوره الموكل له بموجب القانون, رغم - أضاف سلامة - خسائر القطاع المالي, وأن ما يتم تداوله حول إفلاس المصرف المركزي غير صحيح». ورغم «التصحيح» الذي تضمّنه إعلان رئيس الحكومة/نجيب ميقاتي حول تص?يح نائبه «إفلاس الدولة والمصرف المركزي», بأنه/ميقاتي يعتقد أن نائبه كان «يتحدّث عن السيولة وليس الملاءة المالية».
رغم ذلك كلّه ليس ثمّ شكوك لدى النُخب السياسية/والحزبية, سواء الذين يمسكون بالقرار أم الذين يُصنفون أنفسهم «معارضة»، بأنّ لبنان يعيش حالاً من الانهيار، اقتصادياً ومالياً ونقدياً وخدماتياً وقضائياً، على نحو يقترب من التحوّل إلى دولة فاشلة وفق المعايير الدولية التي تحدد معايير إضافة دولة ما إلى قائمة الدول العاجزة عن سداد فوائد ديونها، ما بالك ديونها ذاتها، وانهيار عملتها الوطنية وانكماش اقتصادها وفقدان ثقة المقرضين والمستثمرين على حد سواء، وهذه كلّها راهن لبنان الذي تزيد ديونه الخارجية عن مائة مليار دولار، ن?هيك «الحماية» التي يحظى بها حاكم مصرف لبنان, والتي توفّرها له سفارات غربية وشخصيات ومرجعيات سياسية وأخرى خصوصاً روحية/كنسية, ترى فيه الأخيرة خطاً أحمر محظور المساس به لأسباب طائفية/ومذهبية، زد على ذلك قوى وشخصيات نافذة تربطها به علاقات زبائنية تخشى حال سقوطه أن يفضحهم، وبخاصة ما يرشح (بل ثمة مَن يُؤكد) أنّهم هرّبوا مليارات الدولارات بعد احتجاجات 2019 فيما كانت المصارف اللبنانية وفق تعليمات الحاكم تمنع صغار المودعين من سحب ودائعهم، أضف تدهور سعر صرف الليرة التي كان حدّده المصرف المركزي كسعر ثابت حتّى 2019 ب?«1515» ليرة مقابل الدولار الواحد, وصلت أزيد من 22 ألف ليرة للدولار, بعدما لامست «33» ألف ليرة.ينبع تحميل حاكم مصرف لبنان مسؤولية ما آلت إليه أحوال لبنان المالية/والنقدية, من تمتّعه بحصانة مطلقة، حيث لا يستطيع رئيس الجمهورية عزله أو استبداله, لأنّ هناك من يُهدّد بالاستقالة وأخذ لبنان إلى مربع الأزمة السياسية/والفراغ الحكومي, وثيق الصلة بصيغة/ميثاق 1943 التي أثبتت فشلها وانعدام قدرتها على إخراج لبنان من أزماته المتدحرجة, كونها قائمة على محاصصة طائفية/ومذهبية تكبِّل وتُفشِل كل محاولة لتطويرها أو البحث عن صيغة أخرى بعد اختلال المعادلة الديموغرافية القديمة، وجاء اتفاق الطائف 1989 ليزيد من تعقيدها، بعدما?رفضت القوى الطائفية/والمذهبية النافذة السير قدماً نحو إلغاء الطائفية السياسية، وهناك مَن يخشى الدعوة إلى مؤتمر تأسيسي جديد يطيح بالصيغة القديمة القائمة على مناصفة المناصب والمواقع بين المسيحيين والمسلمين, لتتحول إلى «مثالثة»... أي ثلث للمسلمين/السُنّة وثلث آخر للمسلمين/الشيعة والثلث الأخير للمسيحيين، رغم أنّ خشية كهذه لا يُشهِرها سوى دُعاة الفدرلة/والكونفدرالية على أسس طائفية/ومذهبية..رياض سلامة جاء به رفيق الحريري, الذي يزعم أنصاره أنّه أعاد إعمار بيروت بعد انتهاء الحرب الأهلية رسمياً بعد اتفاق الطائف، وإذ نهضت شركة تابعة له في هدم وسط العاصمة اللبنانية وإشهار/شركة سوليدير التي يملك معظم أسهمها, فإنّ استناده على اقتراض المزيد من الديون لتمويل عملية إعادة الإعمار وفتح بعض الأوتوسترادات, فاقم مشكلات لبنان واستنزف خزينته مع ارتفاع فوائد القروض/خدمة الدين, إضافة إلى إصدار الحكومات اللبنانية المتعاقبة مزيداً من السندات الحكومية, ما دفع حكومة حسان دياب إلى إعلان «امتناعها» عن سداد فوائد هذه ?لسندات.وإذ تراجع نائب رئيس الحكومة/سعادة الشامي عن تصريحه الذي أثار عاصفة من ردود الأفعال المُنددة حدود اتّهامه بالسذاجة وقلة الحنكة والخبرة، ما دفعه للقول مُتنصّلِاً: مَن أنا لأُعلِن إفلاس الدولة؟, فإنّ لبنان بات الآن في عين العاصفة ولم تعد ثمّة إمكانية للمدافعين عن حاكم المصرف مواصلة وضع الخطوط الحمراء أمام الداعين لعزله أو محاكمته, رغم اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي/15 آيار القريب (هذا إن جَرَت).. ناهيك انتظارما ستتخذه واشنطن/وباريس من إجراءات حيال الأوضاع اللبنانية المالية/والاقتصادية المتدهورة، إذ أنّهما وا?لتا الإشادة بدور رياض سلامة, والزعم أنّه «أنجح» حكّام المصارف المركزية في العالم، وهو الذي دأب على طمأنة اللبنانيين بأنّ الليرة اللبنانية في وضع جيد ولا خوف عليها، فيما قيمتها تتآكل ويزداد فقر اللبنانيين وتجميد ودائعهم.يبقى أصحاب المصارف هم أكبر المستفيدين من كلّ ما جرى ويجري, وبخاصّة «الهندسات المالية» التي كان سلامة يوفّرها لهم, حيث يقوم بإقراضهم الأموال بفوائد مُنخفضة، فيما هم يُودعونها في حساباتهم لدى البنك ذاته, ليحصلوا على فوائد أعلى بكثير، ما عاد عليهم بمليارات الدولارات التي هُرّبتْ للخارج.kharroub@jpf.com.jo
الرأي