أياً كان القرار الذي ستتخذه المحكمة العليا الباكستانية, في شأن قانونية قرار الرئيس عارف علوي حلّ البرلمان والحكومة، سواء بعدم دستورية هذا الإجراء الرئاسي, أم تأييده والدفع باتّجاه مواصلة إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة خلال «90» يوماً، أو خصوصاً إذا ما أبدت موقفاً «مُحايداً», بمعنى أنّ قضاتها رأوا أنّ مجلس النواب كسلطة تشريعية مستقلة هو «سيد قراره», فإنّ رئيس الحكومة الباكستانية ولاعب الكريكت الشهير/عمران خان, قد سجّل نقطة ثمينة لصالحه (وإن كانت مثابة هروب إلى الأمام), عندما «اقترح» على الرئيس صاحب المنصب الشرفي والمقرّب من خان نفسه «حلّ» البرلمان والذهاب إلى انتخابات مبكرة، ما حال دون التصويت على سحب الثقة بحكومته, قاطعاً الطريق على المعارضة التي يرأسها شهباز شريف/شقيق رئيس الوزراء الأسبق نواف شريف المحكوم بالفساد والمطلق سراحه لأسباب مرضية، تشكيل حكومة جديدة يكون حزبه «الرابطة الإسلامية» الحزب الأكبر فيها، ما كان سيدفع عمران خان وحزبه/حركة الإنصاف الباكستانية إلى مقاعد المعارضة.
وإذ أسهم قرار الرئيس الباكستاني حلّ البرلمان وقيام الأخير/البرلمان بمنع إجراء تصويت على الثقة بحكومة خان، في بروز أزمة سياسية قد تطول في بلاد مثقلة بالأزمات الاجتماعية والاقتصادية, وبخاصّة انخفاض شعبية عمران خان وحزبه الذي تعرّض لانشقاقات عديدة, برزت في استعداد عدد من أعضاء حزبه التصويت لصالح نزع الثقة عنه، إضافة إلى ابتعاد حزب صغير/الحركة القومية المتّحدة مشارك في الحكومة له سبعة مقاعد في مجلس النواب، خاصّة عدم وفاء عمران خان وحكومته, بالوعود التي بذلها لتحسين الأوضاع الاقتصادية والحدّ من البطالة وارتفاع الأسعار وزيادة الفقر، فإنّ «القنبلة» التي فجّرها خان واتّهامه المباشر للولايات المتّحدة بالوقوف خلف محاولة إسقاطه تُضفي بُعداً «دراماتيكياً» على الأزمة الجديدة, خصوصاً إتكائه على تسجيل قال أنّ سفير بلاده في واشنطن أرسله له، يقول فيه مسؤول أميركي رفيع المستوى: إنّ الولايات المتّحدة تشعر بأنّ العلاقات يمكن أن تكون أفضل بين البلدين إذا غادر خان السلطة.وسواء كان التسجيل صحيحاً/وخصوصاً موثقاً أم لا، فإنّ مجرد الإعلان عنه بهذه الطريقة، يرفع من منسوب التوتر وسط أجواء باكستانية محتقنة أوصلت البلاد أو تكاد إلى أزمة قانونية/دستورية، رغم نفي ناطق الخارجية الأميركية/ نيد برايس تلك الاتهامات، وإصرار خان على أنّ ما جرى في بلاده (طلب المعارضة سحب الثقة من حكومته) إنّما كان -وفق خان- خطوة لتغيير النظام، فإنّ مسارعة الناطق باسم الجيش الباكستاني إلى النأي بالمؤسسة العسكرية عن «العملية السياسية» واعتبار أن لا علاقة للجيش بما جرى (وهو موقف مُلتبس على أيّ حال, كونه لم يُعلن عن موقف العسكر بما جرى ويجري, وهم الذين لعبوا دوراً مركزياً في تاريخ باكستان السياسي منذ استقلالها/1947, عبر سلسلة لم تتوقف من الإنقلابات العسكريةٍ).. يدفع للاعتقاد أنّ الصراع الجاري الآن على السلطة في باكستان بين عمران خان والمعارضة (أقلّه ظاهرياً) لا يمكن فصله عما يجري في المنطقة المحيطة بباكستان، خاصّة بعد أحداث الخامس عشر من آب الماضي المتمثلة بالانسحاب الفوضوي والهزيمة المُذلّة التي لحقت بالولايات المتّحدة الأميركية، وكيف رفضَ (بالفعل) عمران خان طلب واشنطن ترحيل جنودها وطائراتها إلى باكستان بصفة عاجلة, ولاحقاً قيل أنّ إدارة بايدن طلبت رسمياً من باكستان السماح لها بإنشاء قاعدة عسكرية.أضِف إلى ذلك العلاقات المُتنامية بين باكستان والصين وصفقات السلاح التي عقدتها إسلام أباد مع بيجين، ناهيك انخراط باكستان بقوة في مشروع الحزام والطريق الصيني عبر «ميناء جوادر», الذي يُوصف بأنّه «جوهر» مشروع الممر الاقتصادي الصيني/الباكستاني الرابط بين مشروع الحزام والطريق ومشروع طريق الحرير «البحري» للقرن/21 كما يُوصَف باكستانياً وصينياً.صحيح أنّ عمران خان ربط زياراته لموسكو عشية بدء روسيا عمليتها الخاصة بدونباس كأول زيارة لرئيس حكومة باكستانية لروسيا خلال 20 عاماً, كذلك علاقاته الوثيقة مع الصين كسببين رئيسيين للغضبة الأميركية عليه, واتهامه الإدارة الأميركية بمحاولة تغييره ودفع المعارضة للانقلاب عليه, ما يعزز «الإهمال» الأميركي لباكستان وحماسة واشنطن منذ عهد بوش الابن، ثم لاحقاً في عهد أوباما وبعده بايدن لتعزيز علاقاتها مع «الهند» ونظام ناراندرا مودي, والذي وصل ذروته في انضمام الهند إلى رباعية «كواد», التي تضم أميركا وأستراليا واليابان، والهادفة في الأساس إلى احتواء قوة الصين العسكرية والسياسية وحصارها، وانخراط نيودلهي في مناورات بحرية جرت أواخر العام 2020 وحملت اسم/مالابار, ما أثار غضب الصين واتهامها المشاركين في المناورة بتشكيل خطر على الاستقرار الإقليمي.* استدراك: المقالة كُتِبت قبل صدور قرار المحكمة العليا الباكستانية ظُهر أمس... فاقتضى التنويه.kharroub@jpf.com.joالرأي