ثمة التقاطة بالمقلوب لمفهوم الغزو في شهر رمضان المبارك، بعد ان كان المفهوم الصيامي بمجمله غامضا ومُلتبسا في القرون الاخيرة وتراجع اكثر في العقود القريبة, فتحول رمضان من شهر مجاهدة وعمل الى شهر تكرّش وخمول، واكتفينا بمسلسلات في بداية ثورة الدراما الرمضانية عن الغزو والفتوحات، ثم انتقلنا الى مفهوم الرقص والكباريهات, فلا يخلو مسلسل رمضاني من حالات تُؤذي روح الشهر الكريم.
رمضان بات مرتبطا بالعنف في مجتمعاتنا, لفظ عنيف سلوك عنيف, مفردات عنيفة في الشوارع, حجم العنف المرتفع في رمضان لا تكفيه احاديث قبل الغروب, ولا يخفف من غليائه وجه داعية مبتسم يسترجع ما قاله نظراؤه في رمضانات سابقة, ومُجيبا على اسئلة مكرورة كأننا اول جيل مسلم يصوم رمضان, ولا ينفعه الرهان على ارتفاع منسوب الورع والتقوى, فكل الاحاديث الطرية بعد الافطار, تتحول الى قسوة تشابه لقمة الفقراء وخبزهم, العنف بحاجة الى نموذج جديد من الهيبة, توازن بين الهيبة القانونية والتدخلات الامنية الحاسمة من جهة وبين اعادة ترتيب الاولويات الوطنية على المسار الاجتماعي والاقتصادي من جهة اخرى.فنحن بعد كل هذه السنوات ما زلنا نربط بين البطالة والفقر كلازمة واحدة, مما جعل وزارة التنمية الاجتماعية تحتفي بالفقر, فنحن على موعد مع احتفالية توزيع المعونة واحتفال لتسليم طرود, ونحتفل في الاحصاءات كل عام بارتفاع نسب من يتلقى المعونة الوطنية, واخشى ان تُصبح الاحتفالات مصحوبة بالرقص والطرب مثل دراما رمضان, وان يهتف الحضور للوطن ويسيرون في مظاهرة كرنفالية تحت رعاية وزير التنمية الاجتماعية احتفالا بالفقير المليون او بدخول احياء كاملة تحت خط الفقر المُدقع.علما بأن البطالة تُفضي الى الفقر وليست توأمه, ومعالجة البطالة لا تعني بالضرورة الانتهاء من الفقر, وتوحيد الفهم يحمل الحلول، ويزيل التشوه عن المعونة التي تفوق راتب التدريب والتأهيل الحِرفي والمهني, فراتب المعونة المُرتفع يشجع الناس على البقاء في دائرة الفقر في ظل انخفاض الاجور, ويحرم العوائل المستحقة فعلا من حياة كريمة، لأن التوسع الافقي في المعونة قلّص من مستوى المستحقين للمعونة من كبار السن غير المُعَالين او العائلات التي ابتلاها الله بمعاقين ومرضى مزمنين الى اخر السلم من ارامل معيلة لايتام صغار.الكثير من المفاهيم مقلوبة وتحتاج الى تعديل، ليس تحرير مفهوم الغزو فقط، ولا تحرير الفقر من لازمة البطالة، او تحرير راتب المعونة من شبهة ارتفاعه عن راتب التدريب والتأهيل، بل هناك شبهة جديدة تكاد تسمعها على كل مكاتب الموظفين التي تشهد مؤسساتهم اختلاطا، فالرجال يتحدثون بمهارة فائقة عن طبق اليوم الرمضاني، ويطرحون الوصفة تلو الوصفة لزميلاتهم، مع التأكيد بأنهم يسرقون وصفات زوجاتهم اللواتي يعشن يوما حارا في المطبخ مقابل مقاطعة تاريخية من الرجل للمطبخ ولاعمال المنزل والمساعدة في رمضان وهو الذي يتحدث عن طبخة الغد، وهذه بحاجة الى معجزة كي نعيد قلبها - اي ان يصبح الرجل رجلا في الحديث سواء عن الغزو او عن المطبخ.omarkallab@yahoo.comالرأي