صحيح، الحكومات تتحمل القسط الأوفر من مسؤولية الأزمات والخيبات التي يعاني منها مجتمعنا، وهي تستحق بالتالي أن ننتقدها ونشهر في وجهها “العين الحمرا”، لكن ألا نحتمل، نحن الأردنيين، جزءا من هذه المسؤولية؟ أم أننا أبرياء ومجرد ضحايا، نستسلم لقدرنا المكتوب، ونكتفي بالصراخ والشكوى والتذمر أحيانا، وبانتقاد الدولة ومؤسساتها أحيانا أخرى، أو نلوذ بالصمت وننسحب من المجال العام، وكأنه لا علاقة لنا بما يحدث، ولسنا شركاء فيه أيضا؟
أطرح هذا السؤال لسببين، أحدهما أننا استغرقنا على مدى السنوات الماضية بنقد الحكومات والإدارة العامة للدولة، واكتفينا بمطالبتها بإصلاح أحوالنا العامة ، وتصويب سياساتها وأدائها وحركة الفاعلين فيها ، لكننا لم ننتبه إلى أخطائنا، سواء على صعيد النخب التي تزعم تمثيل المواطنين، أو على صعيد نحو 7 ملايين أردني ، كما أن أي انتقاد يوجه للمجتمع، أو للمؤسسات كالأحزاب والجمعيات وغيرها، غالبا ما يتهم أصحابه بالتسحيج أو بقبض الثمن، او يتهمون- أضعف الإيمان – بأنهم لا يجرؤون على انتقاد الطرف الأقوى (الحكومات)، ويختارون جلد الطرف الأضعف الذي هو الناس.أما السبب الثاني فهو أن هز شجرة المجتمع، بما تحمله من أوراق صفراء، وثمار غير صالحة، أقصد السلوكيات العامة للأردنيين ، سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو دينية أو ثقافية، أصبح واجبا ضروريا، فهذه الشجرة لم تعان فقط من “المتسلقين” عليها، أو مما جرى على فروعها من تقليم جائر، وإنما تعرضت للهرم وعدم العناية والاهتمام ، وبالتالي فإن هزّها وإعادة تقليم أغصانها، وإسقاط ما تراكم عليها من “غبار”، وإن كان يبدو محرجا ومؤلما للبعض، إلا أنه أفضل وصفة لضمان إعادة الحياة والعافية إليها ، لكن السؤال: من يجرؤ على ذلك؟في سياق هز شجرة المجتمع، لا بد للأردنيين أن يواجهوا أنفسهم بأخطائهم سواء بحقي أنفسهم، او بحق مؤسساتهم أو ببلدهم، المواجهة تستدعي الاعتراف أولا، والمصارحة ثانيا، والبحث ثالثا عن حلول ومخارج نتوافق عليها، لن أشير – هنا – للقضايا الكبرى التي أخطأنا كمجتمع في التعامل معها، الإصلاح السياسي مثلا وما ترتب عليه من استحقاقات بالانتخابات والتشريعات، فهذا ملف كبير يحتاج لمزيد من النقاش ، لكن أكتفي ببعض السلوكيات العامة التي مارسناها بدوافع طبائعية، وترتب عليها الأضرار بنا وببلدنا، وهذه الممارسات لا تستطيع أي سلطة سياسية أو سواها أن تفرضها علينا، فهي محسوبة علينا فقط.خذ، مثلا، ارتفاع الأسعار، الحكومات تتحمل جزءا من المسؤولية، لكن المجتمع أيضا مسؤول عن ذلك ، كيف ؟ حين نعجز، كمواطنين، عن مقاطعة أي سلعة يحتكرها بعض التجار أو يغالون في رفع أسعارها، فنحن نخطئ كما تخطي الحكومة، وحين نهجر أرضنا ونعزف عن زراعة ما يكفينا من الغذاء، كما كان يفعل آباؤنا وأجدادنا، نخطئ أيضا، لا يستطيع أي مسؤول أن يمنعنا من الزراعة أو العودة للأرض ، لكننا نفضّل أحيانا تحميل الحكومات “وزر” قلة حيلتنا وكسلنا.خذ مثلا آخر، النظافة، سواء في شوارعنا او مدارسنا أو المناطق السياحية التي نذهب إليها في رحلتنا، ستكتشف أننا مجتمع يعاني من ثقافة الإهمال، وربما الرغبة بالانتقام من الجمال والطبيعة، هل يعقل أن يرتكب مجتمع عنوانه الطهارة عند كل عبادة، مثل هذه الممارسات؟ ثم لا يتردد عن السخرية والانتقاد لكل من حوله من المسؤولين، وكأنهم هم السبب لكل ما يفعله.لدي عشرات الأمثلة الأخرى التي تعكس سلوكيات الأردنيين، وأخلاقهم في المجال العام، الإقبال على العمل مثلا رغم تفاقم الفقر والبطالة، لا أتحدث عن ثقافة العيب وإنما عن ثقافة الاعتماد على “المعيل”، سواء أكانت الدولة أو الأسرة أو حتى أهل الخير، من الذي يمنع شبابنا من العمل بالزراعة وغيرها ؟ أرجو أن لا يقول لي احد أن أبناء المسؤولين والمحظوظين لا يعملون فيها، هل سيظل شبابنا بدائرة العوز، حتى تستقيم معايير التعيين بالوظائف وحتى تعود العدالة وتكافؤ الفرص؟حين تتراجع الحكومات عن القيام بواجبها، وحين تستقيل من مسؤولياتها، لا يكفي أن نجلدها بالنقد، ثم ننتظر “المهدي الحكومي” لينشر بيننا العدل، بل يجب أن نتحرك كأردنيين، في دوائر الوعي والعمل، الهمة والأمل، لحماية أنفسنا وانتزاع حقوقنا، وحماية مصالحنا وكرامتنا، هذا لن يتحقق إلا إذا اعترفنا بأخطائنا كلها وبدأنا بإصلاح أنفسنا.
الغد