باءت بالفشل محاولات الاتحاد الأوروبي/الولايات المتحدة, «إقناع» الصين «التنديد» بالحرب الروسية على أوكرانيا/كما يصفونها, على نحو لم يعد ثمة شكوك بأن علاقات/بروكسل وواشنطن مع بيجين سائرة نحو توتّر مُتدحرج. قد لا يأخذ طريقه إلى التصعيد قبل انتهاء الأزمة الأوكرانية, إن لجهة التوقيع على اتّفاق سلام يؤكد حياد أوكرانيا وعدم امتلاكها أسلحة نووية، فضلاً عن نزع سلاحها وعدم استضافتها قوات أو قواعد عسكرية كما تصرّ موسكو، أم خصوصاً حال نجحت موسكو في تطهير مدينة/ميناء ماريوبول من كتائب النازيين الجُدد, الذين ما يزالون حتّى الآن يسيطرون على جزء من وسط المدينة ذات الموقع الاستراتيجي، وربما إقدام موسكو على محاصرة ميناء أوديسا في انتظار جلاء موقف حكومة زيلينسكي, التي تبدو وفق مؤشرات أنّها مُنقسمة بين تيار يدعو للتجاوب مع المطالب الروسية وآخر رافض بتحريض أميركي.
العودة قليلاً إلى الوراء وتحديداً الفترة التي تلت بدء العملية الروسية الخاصّة، تكشف حجم الضغوط المحمولة على غطرسة وتحذيرات ونزوع نحو الإملاءات, مارستها إدارة بايدن على الصين، سواء في ما خصّ التصريح الاستفزازي الذي أدلت به المندوبة الأميركية لدى حلف الناتو/جوليان سميث بقولها: إنّ الغرض من اتصالاتنا مع الجانب الصيني يتمثل بتوجيه رسالة مفادها أنّ الولايات المتّحدة «تريد» أن ترى جميع دول العالم بما فيها الصين، تعلن بوضوح موقفها من الصراع في أوكرانيا، -مضيفة في استعلائية–الآن ليس الوقت المناسب لتظاهر الدول بالحياد في هذا النزاع بالذات.أم لجهة المواقف التي اتّخذها بايدن, وأركان إدارته وبخاصة وزير خارجيته ومستشاره للأمن القومي ومندوبته في مجلس الأمن كما وزير دفاعه, الذين صبّوا جام انتقاداتهم/غضبهم على الصين, لعدم تجاوبها مع مطلبهم إدانة «الغزو» الروسي، ما أفشل هدفهم الرئيس وهو «عزل روسيا» وإظهارها بمظهر الدولة المارقة، بل كرّرت الصين وعلى لسان الرئيس/شي جينيبنغ كما وزير خارجيتها/وانغ يي موقفها المُعلن وهو تحميل الولايات المتّحدة وحلف الناتو مسؤولية اندلاع هذه الحرب، عبر تحريضهم الذي لم يتوقف لقادة أوكرانيا ودفعهم لرفض المطلب الروسي بسحب طلب انضمام كييف إلى حلف الناتو. وهو ما عكسته أيضاً نتائج القمة الافتراضية/الطويلة التي عقدها الرئيس/بايدن مع نظيره الصيني/شي, والتي انتهت بغير ما سعى إليه بايدن.لم تتخلّ واشنطن عن بثّ المزيد من الاتهامات للصين, ودعوة الأخيرة للكفّ عن «مساعدة» روسيا في الالتفاف على العقوبات الاقتصادية غير المسبوقة في التاريخ (أكثر من5530) شملت كيانات ومؤسسات وشخصيات روسية, شبّهها مراقبون بـ"حرب نووية مالية» متجاوزة بذلك إيران ذات الـ"3616» عقوبة.وإذ انتهت محاولة الاتّحاد الأوروبي ممثلاً برئيسة المفوضية/أورسولا فان ديرلاين ورئيس المجلس الأوروبي/شارل ميشيل, عبر القمة التي عقداها مع الرئيس الصيني/شي، إلى فشل ذريع، ليس فقط في إعادة شي التأكيد على موقفه السابق بتحميل واشنطن والناتو مسؤولية تفاقم الأزمة واندلاع الحرب, وإنّما أيضاً مُطالبة/شي الاتّحاد الأوروبي بـ"تبنّي سياسة مستقلة عن الولايات المتّحدة خاصّة تجاه الصين نفسها»، في الوقت ذاته الذي دعا فيه إلى وقف سياسة العقوبات كسلاح في العلاقات الدولية.الفشل الغربي/الأميركي والأوروبي في دفع الصين نحو مواقف مُنددة بروسيا, أوقفَ على نحو حاسم مساعي واشنطن عزل موسكو, بل أسهم في دفع بيجين وموسكو نحو مزيد من التقارب في مواقفهما تجاه القضايا والملفات الدولية. وهوما ترجمته زيارة وزير الخارجية الروسي/لافروف إلى بيجين واجتماعه بنظيره الصيني وانغ يي, ليس إعلانهما المُشترك عن «نظام دولي جديد» يرغب فيه بلداهما فحسب، بل تأكيد الوزير الصيني على تمتين علاقات الصداقة التي «لا حدود لها» بينهما في مواجهة الولايات المتّحدة. وإن كانت الصين تواظب القول أنّها ترفض أن تكون طرفاً في النزاع الأوكراني ولها طريقتها الخاصّة لتحقيق السلام في أوكرانيا, مؤكدة في الآن ذاته أنّها لا تلتف على العقوبات الغريبة المفروضة على روسيا.قصارى القول.. إن الفشل الأميركي/الأوروبي في استمالة الصين، لم يكن فقط بسبب ما باتت عليه علاقات بيجين بموسكو المتنامية والصاعدة تجارياً واقتصادياً وعسكرياً/مناورات مشتركة, بل خصوصاً إلى طبيعة «اللهجة/واللغة» التي تستخدمها واشنطن/وبروكسل في تعاطيهما مع بيجين.. لغة تغرف من ثقافة الإملاءات ومصطلحات الغطرسة وتفوّق العنصر الأبيض, وكأنهم -إذ يُخاطبون الصين- لا يرون فيها جمهورية موز, وليس قوة صاعدة بل مُكافئة وقادرة على المواجهة -إن تطلّب الأمر-, وما الأزمة الأوكرانية سوى المثال الذي يتوجّب أن يأخذه الأميركيون/والأوروبيون في الاعتبار, حتّى لو واصلوا الزعم بأنّ الصين ترى في ما جرى ويجري في أوكرانيا, «فرصة» للتكرار بصيغة أو أخرى في «تايوان", حيث تُصرّ الصين أنّها جزء من البر الصيني, وأنّ عودتها إلى قوام الدولة الصينية حتمية.kharroub@jpf.com.jo
الرأي