غداً الخميس..هو اليوم الأخير الذي حدّده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للمؤسسات والشركات الروسية المُوردة «الغاز» إلى دول أوروبا الشرقية منها والغربية، إضافة إلى دول أخرى صنّفها «دولاً غير صديقة», لتقوم/الشركات الروسية بتغيير طريقة تسديد قيمة الغاز الروسي المصدر إلى دول الاتّحاد والدول الأخرى التي طبّقت عقوبات ضدّ بلاده إلى «الروبل»، ما يُؤسس لمرحلة جديدة في إطار الضربات المتبادلة بين موسكو والمعسكر الغربي, الذي انحازت إليه دول أخرى في أوروبا وآسيا واليابان وأستراليا ونيوزيلندا، أضف إليها بعض دول الشرق الأوسط وقلة من دول أميركا اللاتينية.
وبصرف النّظر عن حال الإنكار والمكابرة التي بدأت تطلّ برأسها عبر ردود الأفعال في برلين, المتضرر الأكبر من خطوة موسكو المُتوقعة بعد 31 الجاري, بعدم ضخّ الغاز الطبيعي كما توريد النفط والفحم, إلى الدول التي ترفض دفع المستحقات المترتبة عليها بالروبل، فإنّ مسارعة روبرت هابيك نائب المستشار الألماني/وزير الشؤون الاقتصادية إلى إعلان «عدم قبول بلاده الدفع مقابل الغاز الروسي بالروبل», وزعمه أنّ «ألمانيا مُستعدة لكافة السيناريوهات», لا يعدو كونه نوعاً من المكابرة التي لن تغيّر كثيراً (أو قليلاً) في شأن تصميم موسكو المضي قدماً في قلب الطاولة على العقوبات الهائلة, التي فُرضت عليها من قبل واشنطن والاتّحاد الأوروبي وشاركتها في ذلك دول أخرى، دع عنك ما حاول الوزير الألماني الاتّكاء عليه عبر «اتّهام روسيا بأنّها بقرار فرض الروبل كعملة دفع إنّما أرادت «تقسيم الغرب»، ناهيك عما صدر عن وزراء مجموعة السبع/G7 الذين «أجمعوا» كما قال الوزير الألماني على «أنّ الاتّفاقات المُبرمة في هذا الشأن سارية المفعول، وستظلّ - أضاف هابيك - الشركات المشاركة متمسكة بها», وهذا يعني -استطردَ- أنّ الدفع بالروبل غير مقبول والشركات المعنية (أي شركات مجموعة/G7) مَدعوة لعدم تلبية المطالب الروسية»..كلام مُرسل ومتهافت للوزير الألماني كما وزراء مجموعة G7 لا قيمة له على أرض الواقع، ولا رصيد سياسياً أو اقتصادياً إذا ما وعندما يأمر بوتين شركاته بإغلاق «صنابير» الأنابيب المتّجهة إلى أوروبا وخصوصاً ألمانيا, (والأكثر إثارة أنّ خطّ الأنابيب نوردستريم/1، المار عبر أوكرانيا, ما يزال يعمل حتّى خلال المعارك الدائرة الآن، فيما يُطالب زيلينسكي الدول الغربية بعدم استيراد الغاز والنفط والفحم الروسي، وما يزال يحمي هذه الأنابيب التي تعود على خزينة دولته بمليارات الدولارات, إضافة إلى حاجتها من الغاز).حال تمّ إغلاق الأنابيب لن يتمّ منح الغرب وخصوصاً ألمانيا, الفرصة لتنفيذ ما هدّدت وتُهدد بأنّها ستقوم بالتخلّي التدريجي عن مصادر الطاقة الروسية, إذ حددت لنفسها نهاية العام في ما خصّ النفط والفحم أمّا الغاز (وما أدراك ما الغاز) فهناك سنوات خمس أو أزيد قليلاً. اللافت أنّ اليابان (العضو في مجموعة G7) هي الأخرى دخلت على خطّ رفض الدفع بالروبل، إذ أعلن هيروكازو/أمين عام الحكومة اليابانية أنّ حكومة بلاده تطلب من الشركات عدم الموافقة على دفع ثمن الغاز الطبيعي المسال/الروسي بالروبل في حال عُرض ذلك عليها», وهو رفض لا قيمة له لأنّ الردّ الروسي سيكون «لن» نورّد لكم الغاز. هل قلتم الاتفاقات تقول ذلك؟ يَسأل الروس ويجيبون: ما بال الحرب الاقتصادية الشاملة التي تشنّونها علينا لإحداث انهيار الاقتصاد الروسي وشلّ الدولة الروسية؟زِد على ذلك أنّ إذا ما تُرك الأمر للشركات الغربية واليابانية بالضرورة خيار الدفع بالروبل أو رفض ذلك، فإنّها لن تأخذ البعد «السياسي» بالاعتبار, بل ستُولي اهتماماً بالهدف الرئيس وهو «الربح، ولا شيء يهمها غير الربح»..قد يخرج علينا أحد المدافعين عن المواقف الغربية قائلاً: إنّ الغاز الأميركي سيغني أوروبا عن الغاز الروسي, وهو قول لا تسنده الحقائق والمعطيات، ليس فقط في الكمية من الغاز التي ستُزود بها واشنطن أوروبا فقط، بل ودائماً عن أيّ أسعار يتحدّث هؤلاء؟، إذ يقول الخبراء إنّ سعر الغاز الأميركي سيكون أعلى بعشرة أضعاف عن سعر الغاز الروسي، أضِف إلى ذلك الوقت الذي يستغرقه وصول الغاز الأميركي/عبر السفن, مقارنة بالتدفق الدائم للغاز الروسي عبر الأنابيب، وهناك من الخبراء ما «حسم» أنّ أوروبا لن تستطيع التخلّي عن الغاز الروسي قبل العام/2030، حتّى لو استطاعت تأمين مصادر مختلفة من دول شرق أوسطية وخليجية، إضافة إلى الغاز الأميركي بأسعاره الباهظة.هنا يذهب المحلل الروسي الشهير/ألكسندر نازاروف إلى الاستنتاج حدود اليقين قائلاً في تحليل له نشره/أول أمس على موقع قناة RT الروسية بالعربية: في حزيران وتموز، عندما يتم استهلاك احتياطيات الغاز، سوف تطال التداعيات الاقتصادية أوروبا. فتغلق المصانع، وتشح السلع، وتندلع مظاهرات واحتجاجات جماهيرية، ويحدث انقسام داخل الاتحاد الأوروبي، وبين أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، وانهيار محتمل للائتلاف الحاكم في ألمانيا وغيرها.وفي موعد لا يتجاوز أيلول وتشرين الأول، ستضطر أوروبا إلى البدء، بدرجة من الخزي والإذلال، أن تلغي العقوبات المعادية لروسيا. ربما قبل ذلك، حيث سيكون من الواضح بالفعل في يوليو أن أوروبا ستواجه كارثة اقتصادية واجتماعية في الشتاء بدون الغاز الروسي.في المجمل.. الدولار لن يبقى مسيطراً والروبل كما اليوان الصيني سيزاحمانه بقوة والأيام ستروي.kharroub@jpf.com.jo
الرأي