لم أكن احب المسيرات كثيراً, ولكن صديقي خالد تخرج من الجامعة... وحين ذهبت معه لنقل عفش بيته وتسليم المفاتيح, كونه يريد السفر للسعودية.. وجدنا لديه (سماعة), كانت جديدة وجميلة وصوتها يهدر, وقد اخبرني أنهم في كلية الرياضة كانوا يستعملونها.. لإعطاء الإيعازات للسباحين... احببتها فاهداني اياها.
احضرتها مرة للجامعة في مسيرة اندلعت لا اعرف لماذا وكيف؟.. وقد اشتهرت يومها كوني (صاحب السماعة)...مرت الأيام, وحين كان الأصدقاء في التيارات الوطنية.. يريدون إحياء مسيرة من اجل ذكرى «الكرامة» أو يوم الجيش, يرسلون معي سيارة للمنزل من اجل احضار (السماعة).. كنت اقف واحملها وأسلم (المايكريفون للمتحدثين), كانت البنات في الجامعة يظنن أني من نظم المسيرة وأنا القائد.. والحقيقة أني صاحب (السماعة) فقط.وذات يوم طلبها أصدقائي (اليساريون), وفعلاً ذهب معي عطية للمنزل وأحضرناها وقمنا بشراء البطاريات لها, واندلعت المسيرة... وحملت (سماعتي).. وأحدهم القى خطابا ساخناً جداً, وأنا لم أكن مهتما بالخطب.. كنت مهتما بنظرات البنات, فقد ظنت سوزان بأني قائد المسيرة وأنا من ينظمها..بعد ذلك, جاء إلي الأصدقاء من «فتح» و"الجبهة الشعبية».. وطلبوا السماعة, كان لديهم مسيرة مشتركة في كلية العلوم, وأنا لم ابخل بالأمر.. لكن شروطي كانت واضحة وتتلخص في كوني الوحيد الذي يحمل السماعة... وفعلا وافقوا, واندلعت المسيرة في منتصف الظهر.. وحملت السماعة وكالعادة ظنت فاطمة أني بدلت البندقية وطلقت الاتجاه الوطني وقالت لي يومها: (هلأ يا مجالي مشيت ع الطريق الصح).. وأنا حقيقة لا تهمني الطرق بقدر ما تهمني فاطمة وتهمني سوزان..الإخوان لم يطلبوا سماعتي بصراحة, كان لديهم كم هائل من السماعات..أثناء توقيع اتفاقية السلام, انخرطت الجامعة بمسيرات ومسيرات مضادة وصار الطلب على سماعتي كبيرا, وأنا حقيقة... كنت مثل (لتر البيبسي) على ارضاء الجميع... وقد جاء إلي مجموعة من طلبة الكليات العلمية, وطلبوا السماعة أيضا.. لكن اتجاههم كان مبهما.. لم احدده حتى أن مسيرتهم لم يعلن عنها... لكني عرفت طالبة منهم تدعى (جميلة)... ووافقت لأجل جميلة...هذه المرة لم اذهب للمنزل احضرت (السماعة) صباحا, واتجهت لمبنى الهندسة كالمعتاد... كونهم أخبروني بأن المسيرة ستكون مبكرة... وفعلا احتشدوا عند باب الهندسة.. وأنا كالمعتاد رفعت السماعة... وبدأت الهتافات من الشباب تصدح, كانت (تهاني) واقفة, وقد شعرت بهتافات تجاوزت السقوف بسب حدتها... كلها خرجت من أفواه شباب (ملثمين), أنا الوحيد الذي لم يكن ملثما... وأنا الوحيد الذي حمل لهم (السماعة).. وأنا الوحيد الذي ظن أن عيون تهاني هي الملتجأ..انهيت محاضرتي وغادرت الجامعة في الثالثة ظهرا, وبعد وقت طويل من انتهاء المسيرة.. لم أكن أعرف أن سيارة تنتظرني على الباب, سيارة خاصة بي وتحمل خوف الدنيا كلها... المهم صعدت أنا وسماعتي.. واتجهنا لمخفر (صويلح).. أصلا وهل أجرؤ ألا اصعد؟هؤلاء كيف سأقنعهم بأني صاحب (السماعة) فقط, المشكلة أني لا أعرف من الذين تجمهروا في المسيرة إلا تهاني, وقد بلغت عن تهاني.. حاولت أن اشرح لهم أني زلمة (نسونجي).. ليس لي علاقة بالسياسة, ولا بالأحزاب، القصة كلها لا تتجاوز كوني (صاحب السماعة)... لم يقتنعوا, وقد قمت (بشطف) المخفر كاملا, ونشرت الغسيل... تخيلوا أني نشرت الغسيل... ولا انكر أني تعرضت للقليل من التوبيخ, مع انكم تعرفون الحقيقة كاملة ولا داعي لقولها..!بعد تلك الحادثة (كسرت السماعة) واصبحت وطنيا وضد الكل... بكامل إرادتي..منذ ذلك التاريخ وأنا لا امتلك موقفا من شيء يحدث في الوطن, أنا صاحب (السماعة) فقط..Abdelhadi18@yahoo.com
الرأي