الجمارك العامة إحدى الأذرع المالية الجبائية الحكومية التي لها ارتباط وثيق مع القطاعات الاقتصادية المختلفة، وهي رافد مالي أساسي للخزينة سواء بإرادتها الجمركية المباشرة (340 مليون دينار)، أو بتحصيلها لجزء كبير نسبياً من إيرادات الخزينة من ضريبة المبيعات وغيرها من الرسوم.
لكن للأسف، الجمارك شهدت في السنوات الماضية انتكاسة كبيرة في أنشطتها المختلفة، وباتت عبئا على الدولة بسلوكيات مشبوهة شابت اعتمادها وموظفيها، وأصبحت مثالا حيا للتراجع من بين مؤسسات الدولة، والإشاعات السلبية بدأت تطول هذه المؤسسة الاستراتيجيّة للدولة، وتطور المشهد المؤلم إلى حالات واقعية لسلوكيات وممارسات غير رشيدة مورست من بعض العاملين في الجمارك، خاصة مع تزايد أعمال التهريب التي بلغت في إحدى الفترات ما يزيد على النصف مليار دينار، مما عزز القناعة لدى راسم السياسة الماليّة في الدولة، بضرورة الحاجة الملحة والسريعة لإحداث عملية إصلاحية جراحية للجمارك، وإعادة ألقها وفاعليتها بالشكل الصحيح والمناسب في العملية التنمويّة.إدارة الجمارك الآن تتعرض لأقوى هجوم شرس عليها من قوى نافذة في المجتمع، قوى سياسية واقتصادية تحالفت فيما بينها جمعتها مكاسب ومصالح الشخصية اعتادت في السابق على الحصول عليها بتواطؤ من داخل الجمارك، ضمن أشكال فساد مختلفة تنوعت في مضامينها، وشكّلت مشهدا مألوفاً في العمل الجمركي، لدرجة أن الخطأ بات مع كل أسف في التعاملات والسلوكيات اليومية.اليوم بدأت إدارة الجمارك بعمليات إصلاحية حقيقية، تعيد الدائرة الى دورها الحقيقي في تبسيط الإجراءات وتسهيل الأعمال لتكون رافدا أساسيا لعمليات الإصلاح الاقتصاديّ.العملية الإصلاحية التي تشهدها الجمارك تشهد مقاومة كبيرة لثني الإدارة الحالية عن هذا المشروع الإصلاحي، وهجوم مباشر من تلك القوى لتعطيل عملية الإصلاح، والخطورة أن النقد انتقل من الإعلام إلى تحت قبة البرلمان، في محاولة مكشوفة للضغط على الحكومة بشكلٍ او بآخر لتجميد عملية الإصلاح الجمركي الذي يهدف أولا واخيرا الى تبسيط الاجراءات أمام المواطن والمستثمر وتسهيلها ضمن حزمة أعمال مبنية على الشفافية والحوكمة والمساواة.عملية الإصلاح الجمركي ضرورة ملحة لتحفيز بيئة الأعمال المحلية وفتح قنوات التواصل مع القطاع الخاص مدعومة بتعزيز العمل بنظومة النزاهة ومكافحة الفساد، بما يهدف في نهاية المطاف إلى زيادة تنافسية الاقتصاد الوطنيّ في المحافل والتقارير الدوليّة.مشروع الإصلاح الجمركي الذي خطت الإدارة الجمركية الحالية خطوات جبارة نحوه يهدف إلى استكمال إعادة هيكلة الموارد البشرية فيها والنهوض بتلك القوى بالشكل الصحيح والمهني وإزالة التشوه الذي أصاب عصب الجمارك في هذا الشأن.المشروع الإصلاحي يحتاج إلى إرادة سياسية عليا لدعم السير بخطوات العملية الإصلاحية من الإدارة الحالية التي بدأت تتناوب عليها كافة الجهات، فالمقاومة شديدة من القوى المتنفذة التي تقف حائلا دون استكمال برامج توحيد المرجعيات الرقابية والإلكترونية وتطوير عمليات التدقيق وأتمتة العملية الجمركية بشكل يزيد من العناية الاقتصاديّة ويعطي صورة مشرقة لأداء الجمارك والمراكز والمعابر الجمركية.إصلاح الجمارك بحاجة لموقف صلب من الحكومة تجاه تلك القوى مهما كانت مستوياتها، فلا إصلاح وتنمية دون ثمن، والثمن هنا محاربة فساد مزمن في العملية الجمركية.
الغد