يتساءل المرء حينما يرى أمرا مسيئا للمجتمع الأردني سواء على المستوى الاجتماعي أم الاقتصادي... لمصلحة مَن هذه الإساءة؟! هل هي لتحطيم الروح المعنوية للمواطن لاسيما في ظل المعاناة اليومية للناس من الفقر والغلاء...؟! منها إعلان ظهر على أحد الباصات في شوارع عمان أثار الجدل لما فيه من استخفاف بالرجال والنساء على حد سواء.يقول: (مع أرز أسامة.. بنوعدك ما تطلّقي).منذ زمن تحدثنا عن موضوع الإعلان والدعاية وما يمكن أن تكشفه عن ثقافة المجتمعات وآلية تفكيرها، وإظهار العيوب الاجتماعية، والإمعان في الترويج لها، وقبل أيام وفي خضم الاحتفاء بالأم والكرامة رأيت إعلانا خادشا لكرامة الرجل الأردني قبل أن يسيء للمرأة،، وهو معول هدم للروابط الأسرية التي باتت هشة لما نعرفه من كثرة حالات العنف الأسري، وكثرة حالات الطلاق، فآثرت التغافل لمعرفتي أن الحديث فيه ربما زاد من الترويج له، لكن وبعد أيام من انتشاره رأيته يناقش على عدد من الفضائيات والمواقع الإخبارية ومواقع، التواصل الاجتماعية بطريقة فيها: عدم احترام للمجتمع الأردني برجاله ونسائه وأعرافه الاجتماعية.كانت في الاعلان إهانة كبيرة للرجال من أبنائنا الذين نفتخر مع ما وصلنا إليه من نسبة التعليم في الأردن؛ ليأتي إعلان يصور الرجل يهدم أسرته لأجل صحن رز، ويظهر رجالنا جل ما يهمهم هو ما يضعونه في بطونهم بعيدا عن إعمال العقل واحترام الأم، والشريكة... ساءني أيضا حجم العقوق فيه للأم في عيدها التي لم ير ابنها فيها إلا هذه الدعاية ليقدمها لها هدية حينما رآها مجرد طابخة للرز تستحق الطلاق إن لم تحسن طبخه، ونسي كل أفضالها عليها مذ حملت به إلى أن اشتد ساعده، ونما عقله ليصبح تاجرا ومستوردا، ورجل مال واقتصاد، ومصمما للإعلانات، وسائقا لباص يروج لإعلان في الشوارع، وأمام العالم في الداخل والخارج!بعد مرور سنوات العمر عرفت أن الكتابة عن الإنسان هي أفضل من الانحياز للمرأة أو الرجل، فحماية المجتمع تكون بحماية الطرفين، وبتعاونهما لا بالصراع بينهما، فالأسرة تبنى بذلك لا بغيره، والأمر كما قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ فالآية الكريمة تختزل كثيرا مما قيل عن حقوق المرأة والرجل، ومن ثم الأسرة.كان يمكن للإعلان أن يحقق غايته بعبارات اخرى كثيرة تكشف فيه عن احترام صاحبه للمرأة، واحترامه لذاته، والحفاظ على الروابط الأسرية في مجتمع بات يترنح من الفقر والبطالة والفساد الذي جاء الإعلان ليكون أحد أشكاله أيضا.ماذا –مثلا- لو قدم خصما تكريما لأمه في عيدها، ويحتسبه من زكاته، وأنا أعدك أن أشتري منك ، تشجيعا للآخرين حتى يقتدوا بأخلاقك الحسنة في ظل معاناة كثير من افراد المجتمع من الفقر.وللإنصاف لم يكن هذا الإعلان الوحيد الذي أثار النقد، فهناك إعلانات كانت مثيرة للغرائز بصورة واضحة في شهر رمضان الكريم في السنوات السابقة، وأخرى خطيرة على الأطفال من حالات الطيران أو تناول الحلويات بطريقة خاطئة؛ مما أدى إلى حالات وفاة في أنحاء العالم العربي نتيجة لتقليد الطفل للإعلان، والحل لا يكون بالنظر إلى حالة كل إعلان وقراءته سلبا أو إيجابا، ولكن بسن الحكومة للتشريعات التي تمنع التجاوز في أي إعلان من اعتداء على حياة المواطنين أو كرامتهم، لكن ترك الأمر على ما هو عليه لن يمنع من ظهور إعلانات جديدة تحرج المواطن أو تعرضه للخطر.