عندما زار جلالة الملك احدى الصوامع لتفقدها،كنت كحال الكثيرين من الصحفيين والمتابعين للشأن العام ،أتساءل :لماذا، وأين السر في الاهتمام الملكي؟ حينها، كانت الجائحة قد أخذت حيزها محليا وعالميا ،وكانت في صلب تفكيرنا وبالكاد تفسح في المجال العام لقضايا كثيرة ، ولكن الوقت جاء لأحصل على الاجابة التي تؤكد لي بيقين كامل، أن الملك كان يرى ما لم نر نحن وخصوصا في ملف الأمن الغذائي.
سيسجل للملك عبدالله الثاني انه اول قائد في العالم حذر من ازمة غذاء ستأتي على العالم ، وأن على الحكومة الاستعداد لها، فكان يجوب الشمال والجنوب والوسط والشرق والغرب يتفقد صوامعنا واستعدادنا لتخزين اطنان من القمح والشعير والاعلاف ، حتى أننا اليوم وصلنا لتسجيل اعلى مخزون في العالم بالنسبة للدول المستهلكة للحبوب، ما جعلنا بغنى عن التأثر في الارتفاعات العالمية ومستعدين لمواجهة اهتزازاتها من خلال ضمان توفر مادة الخبز ضمن معدلات اسعار لا تؤثر على الطبقة الفقيرة والمتوسطة.الملك ومنذ عامين ومنذ أن بدأت الجائحة ورغم أن سلاسل توريد الحبوب لم تنقطع او تتأخر ، وبالرغم من عدم وجود اي مبرر للهلع من ازمة غذائية ، غير انه استطاع التقاط الرسالة من خلال ارتفاع الحدس لديه النابع من حس سياسي عال انبثق من خلال الزيارات الملكية واللقاءات التي كان يعقدها جلالة الملك مع قادة العالم والتي من خلالها استشعر ان هناك ما يدار ويخطط له ، فالملك يحلل ويرى الافاق بطريقة الدبلوماسي والسياسي الفذ ، الامر الذي جعله يتنبه الى ما قد يحصل في العالم وما يحصل حاليا من تغير في المناخ والحروب ، فاندفع في اتجا? الاستعداد مستغلا الايام السمان في التجهيز لكي نستخدمها في الايام والسنوات العجاف.الكل يقرأ ويسمع ويشاهد حالة الهلع التي اصابت العديد من الاسواق المحيطة بنا في الدول العربية والعالمية ، خوفا من نقص مادة القمح والمواد الغذائية الاخرى ، وهذا ما لم نشاهده حتى هذه اللحظة باستثناء التحذير والدعوة الى مزيد من الاستعدادات من قبل القطاع الخاص في التحوط الى كميات اضافية تكفي لعدة شهور اخرى تضاف الى المخزون الاستراتيجي المتوفر من كافة السلع ، فعلى سبيل المثال لدينا احتياط 15 شهرا من القمح و12 شهرا من الشعير وسلع غذائية اساسية تكفي من 3-10 اشهر باستثناء الكميات المتعاقد عليها، بالاضافة الى ان لدين? مخزونا نفطيا من المحروقات يكفي ما يقارب شهرين وكميات اضافية تم التعاقد عليها.رؤية الملك لا تتوقف على هذا الامر فقط ، فجلالة الملك يوجه ومنذ فترة ليست بقصيرة بالتركيز على التدريب المهني والنوعي للشباب الاردني وتغيير ثقافة التشغيل وانتهاج التكنولوجيا في العمل من خلال مواكبة تطورات سوق العمل في العالم ، فهو يعلم ان العالم يتغير مدفوعا بتطور هائل على الصعيد التكنولوجي ، بالاضافة الى رؤيته السباقة دائما في الاصلاحات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية .في الختام ، الملك لديه بصيرة متقدمة ورؤية واسعة ومواكبة لكافة التطورات والتوقعات ، الامر الذي جعل الاردن قادرا على تجاوز التحديات التي تواجهه وواجهته على مدار السنوات الماضية ، فسر تجاوزنا لكافة تلك التحديات ينبع من ان الملك يرى دائما ما بين السطور.
الرأي