وحدها عمان التي تقف على مفترق طرق الرحلات السياسية بين العوالم الشرق أوسطية، وأكثر تحديدا، بين الجيران المتنافسين، إذ جاءت قمة العقبة برعاية جلالة الملك عبدالله الثاني باستضافة المؤتمر التشاوري الذي جمع زعماء ثلاث دول هم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والشيخ محمد بن زايد والوفد المرافق له، ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، والأمير تركي بن محمد آل سعود عضو مجلس الوزراء السعودي، بحضور ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله، وقد جاء التوقيت عقب اجتماع ثلاثي عقد في شرم الشيخ ضم الرئيس السيسي وابن زايد ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت.
العالم العربي كالعادة منقسم حسب معتقداته السياسية، ولكن في العالم سريع التغير لم يعد هناك يقين في اتخاذ مواقف نهائية فيما يتعلق بصدق الشراكة ما بين الدول،أكانت عربية عربية أو عربية غربية، فاجتماع شرم الشيخ جاء في ظل إدارة الظهر من قبل الإمارات والسعودية للراعي الأميركي، وكذلك الإدارة الإسرائيلية التي هي الأخرى لا تجد حرارة دافئة للتعاطي الأميركي مع توجهات تل أبيب ضد الخطر الإيراني، فالجهات الثلاث تبدو متضررة من تردد إدارة بايدن فيما يتعلق بإيران والخشية من توقيع اتفاق يحسن شروطها، مع ظهور محور روسي صيني إيراني قد يشكل تحديا جديدا، وفي المقابل استضافت تركيا رئيس الكيان الإسرائيلي اسحاق هيرتسوغ، وتنتظر زيارة قريبة لرئيس الوزراء بينيت.الملك عبدالله يدرك تماما سرعة تحرك الرمال قبل الصيف،وعقب حالة الانجماد التي اعترت الوضع العربي، ولهذا لم يفوت الفرصة لجمع ثلاث من أهم القيادات العربية وأمير سعودي مطلع، وله عين على ما يجري في الأراضي الفلسطينية، وما سيجري في القدس الشريف في ظل اقتراب شهر رمضان المبارك، وتوقعات بتصعيد إسرائيلي مستفز للفلسطينيين، ما قد يستجر حالة من الاضطرابات التي اعتادت عليها سلطات الاحتلال في كل أشهر رمضان وغيرها، يقابلها صيف حار جدا جراء عدم اليقين بانتهاء الحرب الروسية الأوكرانية وانقطاع الإمدادات الغذائية، وتذمر الناس من موجات الغلاء وشح النقد بأيدي العامة، على الأقل في الأردن الذي يحمل فوق همه تحديات أخرى وهي سلامة الشعب الفلسطيني وثقل اللجوء السوري مع انقطاع تدفق المعونات المالية الخاصة برعايتهم.الملك يدرك أن لا شيء يمكن المراهنة عليه أكثر من لقاء مباشر مع زعماء أشقاء كل وصفته ليعرف متغيرات الأوضاع السياسية في العالم العربي، وهو بهذا يفك لعبة الألغاز أو «البازلز» التي لا يتقنها الكثيرون، فالأردن يرى الابتسامات تتراشق علينا أحياناً، ولكن ليس هناك الكثير من التعاون الجدّي مع بعض الدول العربية، ولا حتى الوصول إلى تفاهمات مع الجانب الأميركي لفتح خطوط التجارة البينية مع سوريا والأزمة اللبنانية وتعيين رئيس وزراء العراق، فحتى بعد إرهاصات الحروب التي نالت من العراق ودول الخليج لم يكن الوضع كما هو عليه اليوم.الأردن يواجه مشكلتين تصدعان الرأس، في الغرب إسرائيل التي لا تتنازل عن الهجمات الشرسة ضد الشعب الفلسطيني واستفزازهم، رغم حالة الهدوء في غزة برعاية قطرية، وفي الشرق إيران التي تضرب مسيّراتها مصافي النفط في الشقيقة السعودية باستخدام صفة الحوثيين، وهذا يؤثر بالطبع على الإمدادات النفطية العالمية، فضلا عن تواجدها على الأراضي السورية ويدها الطويلة في العراق ولبنان، ورغم الزيارة التي قام بها الرئيس السوري للإمارات فإن الأمل بخلاصها من السيطرة الإيرانية لن يكون قريباً.فيما الأردن يقف على مفارق جغرافيا مزعجة ما بين الغرب الإسرائيلي والجنوب السوري الخاضع لسلطة مليشيات ووكلاء إيران والعصابات الإجرامية المسلحة والمخدراتية، وشرقا في انتظار انتخاب رئيس الوزراء العراقي الذي طال انتظاره، فيما الوضع الداخلي يعاني من أزمات مركبة عقب ثلاث سنوات أظهرت نتائج الجائحة انها نالت من القطاعات التجارية وزادت من ارتفاع البطالة والفقر ونقص الخدمات.نتمنى حقيقة أن يعود الأردن كلاعب أساس في خط السياسة الأعلى، فكلما زاد حضور الأردن عربياً وعالمياً كان ذلك دافعاً للمزيد من المكتسبات المفترضة، فلعبة حل الألغاز التي ذكرناها لا يمكن إلا أن تؤدي إلى نتيجة واحدة وهي متى وكيف سيعود الأشقاء العرب لإعادة الدور الأردني كشريك في التحالف المصيري لمواجهة المستقبل العربي غير الواضح أمام تحديات الحرب الباردة الشرق أوسطية، فيما تل أبيب ستستضيف اليوم الأحد وزير الخارجية الأميركي انتوني بلنيكن ووزراء خارجية كل من الإمارات والبحرين والمغرب، فيما تحاول تل أبيب ضم وزير الخارجية الأردني للاجتماع حسب المصادر الإسرائيلية لبحث مشاكلها مع إيران وحلفها المفترض.Royal430@hotmail.com
الرأي