على نحو تظاهري/دعائي استهدف من بين أمور أُخرى, تكريس الهيمنة الأميركية على القرار الأوروبي خصوصاً, جاء تنظيم «ثلاث» قمم في يوم واحد, هي قمة حلف شمال الأطلسي/الناتو, وأُخرى للاتحاد الأوروبي, والثالثة للدول السبع ذات الاقتصادات الأقوى في العالم ((G7استضافتها مدينة بروكسل/العاصمة الدبلوماسية لأوروبا والعسكرية/لحلف الناتو, متزامنة وبالتأكيد ليس صدفة, مع الذكرى الـ"23» لأول حرب في أوروبا (على عكس ما يُكرره، المعسكر الغربي بأن ما يدور الآن في أوكرانيا هو «أول» حرب في أوروبا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية) شنها حلف الناتو على يوغوسلافيا في/24 آذار 1998 بقرار أميركي اتخذه بيل كلنتون، عبر قصف جوي مُركّز لم يقتصر على تدمير العاصمة بلغراد بل شمل جمهوريات الاتحاد اليوغسلافي السبع استمر لـ » 78 » يوماً متواصلة (من 20 آذار - 10 حزيران 999) لم يشهد هدنة ليوم واحد, أو توفيّر ممرات انسانية تسمح للمشردين من المدنيين اللجوء الى أماكن آمنة, وانتهى بالطبع مُحققاً الهدف الأميركي الأساسي وهو «تقسيم» يوغسلافيا الى سبع دول, انضمت ست منها الى الناتو والاتحاد الأوروبي, ولم تبقَ سوى صربيا التي «تقاوم» (حتى الآن) الضغوط المكثفة للانضمام الى الحلف «الدفاعي» المزعوم المسمّى/حلف شمال الأطلسي.
نقول:المدقق في البيانات الختامية التي صدرت بعد انتهاء تلك القمم, يلحظ بوضوح «ازدحامها» بالتهديدات والتلويح بالعواقب «الوخيمة» التي تنتظر روسيا, إذا ما لجأت الى استخدام اسلحة الدمار الشامل من بيولوجية وكيمياوية ونووية، فضلاً عن مواصلة تزويد الغرب أوكرانيا بمزيد من الأسلحة الفتاكة, وكل ما يُمكّنها من هزيمة الجيش الروسي, ناهيك ما أعقبها من تصريحات للرئيس الأميركي ورئيس الوزراء البريطاني كذلك ماكرون الفرنسي وشولتس الألماني, إذ بدا الأخير أكثرهم «صقورية» عندما أعلن ان اعضاء مجموعة السبع(G7) اتفقوا على «مراجعة عقوباتها على روسيا على اساس مستمر، وأبدوا استعدادهم لـ «تشديدها» في حال حصول تصعيد عسكري جديد, في الأعمال القتالية الجارية في أوكرانيا مضيفاً في توعد لافت"نحن مُوحدون في استعدادنا للرد بعقوبات جديدة إذا ما اقتضى الأمر ذلك»، ولم تخرج السيدة الحديدية الأوروربية/الجديدة «اورسولا فون ديرلاين» عن خطط التشدّد واطلاق التحذيرات لموسكو, عندما «قرّرت» ان النزاع الحالي في أوكرانيا يُمثل «إخفاقاً استراتيجياً» بالنسبة للرئيس الروسي بوتين، واصفة التعاون بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بشأن العقوبات الأخيرة على روسيا بأنه «استثنائي», دون ان تنسى اعتبار قرار واشنطن «مَنح» الاتحاد الأوروبي 15 مليار متر مكعب إضافية, من الغاز المسال هذا العام بأنه «خطوة كبيرة في هذا الإتجاه». ولم يُعرَف بعد ماذا إذا كانت هذه الكمية «مِنحة» أميركية حقاً؟, أم ستكون بأسعار مُرتفعة تكاد تساوي عشرة أضعاف السعر, الذي تبيعها به روسيا كغاز طبيعي وليس غازاً مسالاً. إذ تفتقر معظم دول الاتحاد الأوروبي الى وجود مُستوعبات جاهزة لهذه النوعية من الغاز/المسال. فيما تُزودها روسيا بغاز طبيعي «عبر الأنابيب» التي لا تحتاج الى خزّانات سوى تلك التي تُستخدم كاحتياطي.وإذا لم تُبد القمم الثلاث اي نية أو اشارة الى استعدادها لبذل جهود حقيقية, من أجل عدم انزلاق الأمور الى نقطة اللاعودة وتدهورها على نحو يصعب تلافيه, خاصّة إذا ما خضعت لمزايدات وتطرّف بعض دول الناتو وبخاصة بولندا وسلوفاكيا, بمطالبتهما ارسال قوات حفظ سلام «من الناتو» الى أوكرانيا, كذلك تزويد كييف بأنظمة صاروخية مُتقدمة للدفاع الجوي/S300, بل وطائرات سوفياتية من طراز ميغ/29 موجودة لدى بعض دول حلف وارسو السابقة, فإن رد الفعل الروسي لم يتأخر، إذ اعتبر ان اي تصعيد سيُواجه بصرامة، ناهيك عن ردود الفعل الصاخبة التي عكسها قرار الرئيس بوتين, تسعير الغاز الروسي للدول غير الصديقة بالروبل. ما أثار «الهلع في أسواق الطاقة ووضعها في موقف يجعل العقوبات ضد روسيا تبدو سخيفة», على ما خَلصت اليه مجلّة «شبيغل» الألمانية، مُورِدة ما قاله لها الخبير الاقتصادي/نيس سودكوم في مقابلة مع المجلة, بأن «الزعيم الروسي نجح في «صدم الغرب». وإن كان قادة أوروبيون مثل المستشار الألماني/شولتس والرئيس الفرنسي/ماكرون زعموا ان طلب روسيا تحويل امدادات الغاز الى الروبل «يُخالِف» العقود المُبرمة. فيما هم تجاهلوا كل الاتفاقات والعقود التي لا تسمح لهم بمصادرة الاصول الروسية, من أموال وعقارات وطائرات وغيرها مما شملتها العقوبات الغربية. عقوبات تم اتخاذها بشكل منفرد خارج إطار الأمم المتحدة, المُولجة باتخاذ قرارات/عقوبات كهذه.kharroub@jpf.com.jo
الرأي