في ظل انشغالنا أو إشغالنا بالهم السياسي الذي يستغرق الكثير من ساعات يومنا، فتزيد مساحة السوداوية في حياتنا, حتى إذا انتقلنا إلى همومنا الاقتصادية زادت الأمور سوءاً وسوداوية، فكيف إذا دققنا في حجم الفوضى الاجتماعية ومدى تمزق نسيجنا الاجتماعي بسبب الحجم الهائل من التمزق الذي أصاب منظومتنا الأخلاقية، عندها نتأكد أننا على شفير الهاوية.
وهذا كله ليس كلاماً انطباعياً، لكنها خلاصة يخرج بها كل من يدقق بما يجري حولنا، وبدلالات الأرقام التي تصدرها المؤسسات الرسمية، ومنها النشرات الإحصائية التي تصدرها مديرية الأمن العام، ضمن جهودها التي تشكر عليها. ومن بينها النشرة الإحصائية التي أصدرتها المديرية عن الجرائم التي تعاملت معها خلال شهر شباط الماضي، آخذين بالاعتبار أنه أقصر أشهر السنة من حيث عدد الأيام وهو قِصر يؤثر في الأعداد والكميات، ومع ذلك، فإن الأرقام التي وردت في نشرة الأمن العام مخيفة وذات دلالات تُجاوز مرحلة القلق إلى قرع نواقيس الخطر.أول المؤشرات التي تثير القلق هو حجم انتشار المخدرات في بلدنا، فقد تم في شباط الماضي ضبط 1580 قضية مخدرات منها 476 قضية ترويج واتجار، ضبطت خلالها 15 مليون حبة مخدرة و1951 كغم حشيش، وكميات كبيرة من مواد مخدرة متفرقة، وقد ألقي القبض في إطار هذه القضايا على 895 شخصاً بتهمتي التوزيع والاتجار والقبض على 2197 شخصاً بتهمة التعاطي.وهي أرقام تقول أولا إن الأردن لم يعد مجرد ممر للمخدرات وتجارها، بل صار مستقرا وسوقا، وتقول ثانيا إن مخطط استهداف الأردن بحرب المخدرات يحقق نجاحا رغم يقظة قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية، لكن المشكلة أن ظهرهما غير محمي بوعي مجتمعي يتصدى لآفة المخدرات، وهي أرقام تقول إن كل الحديث عن تمكين الشباب يظل معلقاً بالهواء، إذا لم يترجم على أرض الواقع إلى مشاريع تحمي شبابنا من السقوط في دائرة اليأس والقنوط وصولاً إلى الانتحار من خلال الوقوع بين براثن عصابات المخدرات!المؤشر الثاني من مؤشرات الأرقام؛ إحصائية الأمن العام لشهر شباط الماضي، التي تقول إنه تم ضبط 4085 مخالفة قطع إشارة حمراء و1996 مخالفة سرعة زائدة و2026 مخالفة السير بعكس اتجاه السير، وهي مخالفات تدل على عدم احترام القانون، وموت الضمير الذي يشكل الرقيب الذاتي، كما أنها تدل على الاستهتار بالحياة من قبل من يرتكب المخالفة وبحياة غيره ممن قد يصدمهم، عند قطعه للإشارة الضوئية أو معاكسته للسير أو سرعته الزائدة.أما في مجال الجرائم والجنح فإن الأرقام تدل على ما هو أسوأ؛ حيث تعامل الأمن العام خلال شباط الماضي مع 493 قضية جنائية و1098 قضية جنح منها 1030 جريمة وقعت على الأموال أي قضايا سرقة واختلاس وخلافه، ومن بين الجرائم كان هناك 4 جرائم قتل و69 قضية شروع بالقتل والتسبب بالإيذاء البليغ، يضاف إليها 255 سرقة جنائية و178 قضية احتيال و40 قضية سرقة سيارات، ومؤشر هذه الأرقام يقول إن الأردني لم يعد آمناً لا على سيارته خارج بيته أو مكتبه، ولا على ممتلكاته، وبخاصة في ظل انتشار السلاح بأيدي الناس كما تدل على ذلك أرقام الأسلحة المصادرة خلال الشهر الماضي، وقبل ذلك فإن الأرقام تؤكد أن نسيجنا الاجتماعي يزداد تمزقاً، وأن إفرازات أزمتنا الاقتصادية تزداد سوءاً.ومما يؤكد أن حال نسيجنا الاجتماعي يزداد سوءاً، أن إدارة حماية الأسرة والأحداث تعاملت خلال شباط 2022 مع 2573 قضية أسرية، أي بين أفراد الأسرة الصغيرة، الزوجين مع بعضهما أو أحدهما أو كليهما مع أبنائهما، بالإضافة إلى جنوح الأحداث، ما يعزز القول إن نسيجنا الاجتماعي يزداد تمزقاً ومن ثم فإن الرادع الاجتماعي يتلاشى في بلدنا.. إذ تلقت وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية في الأمن العام خلال شباط الماضي 1206 شكاوى راوحت بين السب والشتم والتحقير والتشهير والابتزاز.رقم آخر من أرقام نشرة الأمن العام لشهر شباط له هو الآخر دلالات سلبية، وهو أن الإدارة الملكية لحماية البيئة والسياحة تعاملت خلال شباط الماضي مع 2775 مخالفة وقضية بيئة، وهو رقم يدل على انعدام وعينا البيئي، والأخطر من ذلك هو انعدام روح الانتماء والمواطنة والمسؤولية الوطنية لدينا من جهة، وبروز الأنا من جهة أخرى، وبخاصة عند استخدامنا لمرفق عام، كالغابات، للتنزه ثم ترك أكوام القمامه لتدمر البيئة.لا أريد أن أتوقف عند كل أرقام النشرة الإحصائية للأمن العام، لكن النماذج التي أوردتها في هذا المقال تجعلنا نتساءل: إلى أين نحن ذاهبون؟Bilal.tall@yahoo.com
الرأي