قدمت السينما والمجلاتُ الفنية ودورُ الأزياء وشركاتُ الدعاية والإعلان وشركاتُ الطيران وكازينوهات القمار والمراقص ومسارحُ الطرب، ومتعهدو الرقيق الأبيض، المرأة على إنها «مانيكان» أو فاكهة أو طبق أو حلوى.
وحددت شركاتُ «تسليع» المرأة مقاييس ومعايير صارمةً للوجه والأنف والشعر والوزن والقامة والعنق والسيقان والأرداف، لممثلات السينما.فصارت المرأة العربية الجميلة، هي التي لها عينان كعيني زبيدة، ووجه ملائكي كوجه فاتن حمامة، وجسم رشيق كجسم نجوى فؤاد.ولاحقا انتقل النموذجُ القدوةُ، من الكلي إلى الجزئي، فصارت الأنوفُ كلها مثل أنف المطربة التي تستخدم جسدها أكثر من صوتها نانسي عجرم، واصبحت الوجنات كلها نسخة واحدة عن وجنتي دارين حدشيتي و سابين ونيكول سابا.لقد تم اختيار عارضات ازياء بمواصفات ومقاييس صارمة، عالفرجار والميليمتر !!وتم اجراء مسابقات وانتقاء أجمل النساء إلى السينما،واصبح جسمُ المطربة وجمالُ وجهها، أهم كثيرا من جمال الصوت.غير أن التجميل العلاجي ضرورة وتقدم علمي وشيء مختلف كليا.فثمة شفة الأرنب والتشوهات الخلقية والحروق والكسور وحوادث السير والانهيارات والانفجارات وضحايا الحروب والألغام، التي جاء التجميل علاجا لها، يزيلها أو يخفيها أو يخفف من آثارها.والداهية تتمثل في أن يهرع الرجالُ إلى إجراء عمليات التجميل، للحصول على شكل أكثر قبولا وجمالا، حسب معاييرهم وموازيينهم، التي يخالطها الخطأُ أحيانا كثيرة.وأكثر الأنوف غرابة وتشوها، هو أنف الممثل والمخرج الفرنسي البارز جيرارد ديبارديو، المولود عام 1948، الحاصل -رغم أنفه الضخم المتعرج- على جائزة سيزار لأحسن ممثل مرتين، وعلى جائزة جولدن جلوب لأحسن ممثل عن دوره في البطاقة الخضراء، والمرُشّح لنيل جائزة الأوسكار عن دوره الرئيسي في فيلم سيرانو دو بيرجيراك.كان بإمكان ديبارديو أن يُجري عملية تجميل بسيطة، تزيل عن أنفه ما لحق به من غرابة، لكنه رأى أن أنفه طبيعي وجميل، فلم ينزلق إلى لعبة التجميل المدمرة.هذه هي المسألة، التلاعبُ بما خلقنا الله عليه، واخضاعه إلى عمليات جراحة ليست مضمونة ولا نهائية، لأننا نفتقر إلى القناعة والرضى، ولأننا أسرى التقليد الأعمى.
الدستور