لم يكن مُفاجئاً أو مُستغرَباً الاعتراض الفرنسي/الأوروبي/الهندي, على الإعلان/القرار الذي تبنّته الجمعية العامة للأمم المتحدة, للاحتفال باليوم السنوي في 15 آذار من كل عام, تكريساً للذكرى السنوية لهجوم/العام 2019 على مسجِدين في نيوزيلندا, الذي خلّف كما هو معروف «51» قتيلاً من المسلمين.
وإذ يُواصِل سِياسيّو «العالم الحُر» زعم تأييدهم حرية الرأي والتعبير والعقيدة, وتصديع رؤوسنا صباحاً مساءً بتفوّق قِيمهم الحضارية وديموقراطيتهم, وانفتاحهم على الأديان ورفض التعصّب, فإنّ اعتراض فرنسا (وارثة الثورة الفرنسية وأحد شعاراتها «الحرية والمساواة والأخوة»)، ناهيك عن الهند بما هي أكبر ديموقراطية راسخة في العالم, ووريثة نهج الأب الروحي لاستقلالها الرافض للعنف.. المهاتما غاندي، إضافة إلى مُمثل الاتّحاد الأوروبي (27 دولة) في الأمم المتّحدة (يحمِل صفة مراقب دائم في الأمم المتّحدة, ولا يمتلك حقّ التصويت)، ي?عث على التساؤل عن سرّ هذا الاعتراض المُعلَن, على قرار/إعلان (غير مُلزم في واقع الحال), هدفه الحدّ من الظاهرة التي تفاقمت في السنوات الأخيرة, وبخاصّة منذ الحادي عشر من أيلول 2001، عندما أعلن جورج بوش الابن, حرباً صليبية جديدة ضدّ الإسلام, بما هو كما قال: دين عنف وسفك دماء, وغيرها من الأوصاف التي تمّ إلصاقها بـ«الدين الإسلامي» نفسه, وليس بالمُتأسلمين الذين اختطفوا الإسلام وراحوا يرتكبون الجرائم باسمه زوراً وبهتاناً.من هنا يمكن التوقّف عند تهافت وصلف التبريرات التي ساقها ممثلو تلك الجهات لإعلان اعتراضِهم, الذي لا يصمد أمام الحقائق المُوثقة, التي تجسّدها أعمال وتصريحات واستفزازات المتعصبين والمتطرفين, من السياسيين والإعلاميين وحتّى رجال دين، ضدّ المسلمين في دول عديدة, وبخاصّة في فرنسا ومعظم دول الاتّحاد الأوروبي، وأخيرا وعلى نحو غير مسبوق في الهند.وصفَ المندوب الفرنسي الدائم لدى الأمم المتّحدة القرار بأنّه «غير مُرضٍ وإشكالي», ما لبث ان انزلق في تناقض صارخ مُستطرداً: إنّ بلادنا تدعم حماية جميع الأديان والمعتقدات, مُنتقلاً إلى مربع أكثر استفزازاً عندما قال: لا يوجد تعريف مُتفق عليه لمصطلح الإسلاموفوبيا في القانون الدولي، بخلاف حرية الدين والعقيدة، إلّا أنّ هذه الحرية - أضاف - التي تدافع عنها فرنسا, وكذلك جميع الحريات العامة الأخرى مثل حرية التعبير أو الإدانة».. مُتناسياً عن قصد ما أقرّته حكومته بشأن «معاقبة كل من ينتقد إسرائيل أو الحركة الصهيونية.. س?ناً وغرامة وإبعاداً»، رغم أنّ ذلك يندرج في إطار حرية التعبير التي يزعم أنّها مضمونة في بلاده. زِد على ذلك «وصم» تلك الانتقادات بأنّها نوع من «معاداة السامية», دون أن يعي أن لا تعريف واضحاً لهذه التهمة في القانون الدولي أيضاً, إنّما هي قوانين صدرت وباتت مكرّسة لخدمة أهداف شخصية وسياسية في الصراع/المنافسة بين السياسيين وأحزابهم.ثمّ خرج علينا ممثل «كتلة» الاتّحاد الأوروبي ليعرب عن «قلقه» إزاء كثرة «الأيام» الدولية» معتبراً أنّ التركيز على الإسلاموفوبيا إنّما هو «تكرار غير ضروري»، خاصّة - والقول له - بعدما اعتمدت الأمم المتّحدة عام 2019 يوم 22 آب من كلّ عام, «يوماً دولياً لإحياء ذكرى ضحايا أعمال العنف القائمة على الدين والمُعتقد». لافتاً إلى أنّ القرار إنّما «يهتمّ بمقاربة التعامل مع دين واحد فقط».. ولم يتأخر الممثل الدائم للهند في الأمم المتّحدة في الدعوة إلى إدانة «الإرهاب من الأديان» بدلاً من «إفراد» الإسلاموفوبيا، مشيراً في الو?ت نفسه إلى التمييز ضدّ الهندوس والسيخ والبوذيين, في محاولة للطمس على الأحداث والوقائع الميدانية المُوثقة التي حدثت في أكبر ديمقراطيات العالم, والتي اتّسمت طوال عقود بالتسامح والتعايش, إلى أن بدأت تتصدع مع وصول حزب «باراتيا جاناتا» اليميني المتعصّب, ثم انزلقت وعلى نحو خطير إلى صدامات دموية ذات طابع ديني متطرف, ما كانت لتحدث لو تمّ تفعيل حقيقي لميكانزمات الدستور وآليات الديمقراطية واحترام سلطة القضاء.في السطر الأخير.. ثمّة ما يبعث على الأسف, في أنّ كتلة بشرية تكاد تصل إلى ثلث سكان العالم, يقف ممثّلوها ضدّ إعلان يروم محاربة ظاهرة آخذة في التفاقم, وتؤسس إذا ما تواصلت لحروب دينية، فقط لأنّ لدى نخبها الحزبية والسياسية أجندات وتحالفات ذات أهداف شخصية وارتباطات متطرفة.. «فوق» سياسية، والأكثر خطورة أنّ اعتراضهم «الثلاثي» هذا, إنّما يُخفي تحيًزاً وانتصاراً لخطاب وأيديولوجية المتطرفين والمُتعصبين.kharroub@jpf.com.jo
الرأي