في ظل التهافت الإخباري على أحداث الحرب بين روسيا وأكرانيا، ما زالت المحطات العربية المشهورة تغطي على مدار الساعة ما يحدث في المناطق التي تدور فيها الحوادث الحربية، وينقل مراسلوها باقات عن «الفزعة» الأوروبية للاجئين الأوكران وكيف توزع العائلات الأوروبية ما يحتاجه اللاجئون وأطفالهم من ملابس وأغذية وتسهيلات للسكن، فيما مات خلال الصراع في سوريا المئات من اللاجئين عبر البحار والحدود الأوروبية في حالة تنبئ كيف ينظر الغرب الى العرب، فيما قتل في سوريا خلال حرب داخلية استمرت عشر سنوات ما لا يقل عن 600 ألف مدني، ولم يبك عليهم أحد، فروسيا في سوريا هي روسيا في أوكرانيا.
لكن المفاجأة التي لم تكن متوقعة بهذه السرعة هي الزيارة التي قام بها الرئيس السوري بشار الأسد والوفد الدبلوماسي المرافق له الى الإمارات المتحدة، حيث وصل الأسد الى دبي في أول زيارة له لدولة عربية منذ عقد من الزمن، ورغم الاتهامات من قبل النظام السوري لدول عربية من بينها الإمارات بالضلوع فيما أسميت بالمؤامرة الكبرى على سوريا، فإن الأسد كان محط ترحيب من زعماء الدولة هناك، ومن المؤكد أن الزيارة أخذت وقتا طويلا من الترتيبات للوصول اليها أخيرا.فكيف حصل الرئيس الأسد على هذه الصفقة النادرة في ظل تشرذم عربي وانكفاءات على دواخلهم، وكيف قفز الأسد عن كل ما جرى منذ سنوات الصراع في بلده، وكيف طوى صفحة الماضي ليدخل مرحلة جديدة عله يبلغ معها طريقا للتعافي من الماضي الذي طارده عبر عشرات التنظيمات الفوضوية والتي زلزلت الخارطة السورية، والتدخلات الغربية والعربية عبر سيادة أراضيه وهو ينظر لها بازدواجية التصريحات الناقمة من دول الغرب والشرق مقابل العمليات العسكرية التي كان التحالف الدولي يشنها على معاقل التنظيمات المسلحة.من بين التحديات التي واجهها الأسد كانت العمليات العدائية التي تقوم بها دولة الاحتلال الصهيوني من خلال اختراقات على الأرض وتوجيه ضربات صاروخية لمواقع حساسة في شمال وشرق البلاد السورية، وزادت إسرائيل من هجماتها لتصل كل منطقة تخشى من أن الإيرانيين فيها يجهزون لمواقع إطلاق صواريخ عدائية، ومع هذا فقد صبر طويلا حتى تخبو نار الحرب ليعيد تموضعه مجددا معتمدا على القوات الإيرانية وذراعها حزب الله اللبناني والعراقي وبالطبع القوات الروسية التي أحدثت فارقا كبيرا في ميزان القوى لصالح النظام الذي تمترس في العاصمة التاريخية دمشق، حتى بسط أخيرا سيطرته على غالبية الأراضي السورية.الإمارات كان لها الدور الأول في اختراق دمشق عبر مساع دبلوماسية وسياسية لاقت نجاحاً لدى الرئاسة هناك، ومن خلال مرونة الرئيس الأسد تم استقبال عدد من المسؤولين الإماراتيين في وقت سابق، فيما بدا أنه استجابة لفكرة، أن الزمن قد تغير، وأن خياراتهم باتت محدودة لمواجهة عصر جديد لن تكون الأهداف متحققة بسهولة، ولهذا رأينا أن الحماس بات يخبو في الحرب مع الحوثيين ومن ورائهم إيران التي تمركزت بثقلها في أربع دول عربية، وهي الوحيدة اليوم التي ستفوز باتفاق نووي جديد مع الغرب خلال أيام.ماذا عن الأردن؟ نحن على الحدود الأطول مع الجارة السورية، والانفتاح عليها عبر اتصالات على مستوى القادة من خلال المكالمة الهاتفية بين الملك والرئيس الأسد، وسبقها زيارة لوزير الدفاع السوري لعمان ولقاؤه رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأردنية، فيما زار وفد وزاري سوري عمان واجتمع مع نظرائه في الحكومة الأردنية، واتفقوا على عدد من التوصيات لتعزيز إعادة خطوط الإمداد وتوقيع الاتفاقيات لمصلحة الطرفين وفتح المعابر الحدودية للنقل والمباحثات حول حصص المياه، ولكن شيئا لم يحدث بعد ذلك.الحكومة السورية قامت قبل أيام بنقل مساعدات غذائية ومواد إنسانية أخرى بما يزيد على مئة الف طن لصالح جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك المستقلتين عن أوكرانيا عبر طائرة نقل تسلمتها السلطات الروسية وأوصلتها الى هناك لتسليمها الى المحتاجين، فيما لا تزال مدن سورية تعاني من نقص في الكهرباء وغيرها من المواد، ومع هذا لا تزال الوعود التي كنا نأمل أن تتحقق بين بلدينا الجارتين عالقة. الرأيRoyal430@hotmail.com