انتخابات نواب الأردن 2024 أخبار الأردن اقتصاديات دوليات جامعات وفيات برلمانيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات مقالات مختارة مناسبات شهادة جاهات واعراس الموقف مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة

ثقافات إدارية سلبية

مدار الساعة,مقالات مختارة
مدار الساعة ـ نشر في 2017/07/02 الساعة 02:12
حجم الخط

يقول المنطق أن التطوّر والنموّ هو عبارة عن نتاج جهد مبذول يؤدي إلى تراكم الإنجاز حتى الوصول إلى الغاية، ثم يلزم أن يستقر هذا الإنجاز أو يتطور شرط ألّا يتناقص للحفاظ على استمرارية وجود هذا التطور والنمو وإلّا سوف يكون هناك تراجع.

لم ولن يخل الأردن يوماً من أصحاب إنجاز أدّوا ويؤدون ما عليهم من واجبات من مواقع مسؤولياتهم، وهنا نتحدث بوجه الخصوص عن طبقات الإدارة العليا في القطاع العام، إلّا أن المؤسف هو وجود ثقافات إدارية سلبية ترغم المؤسسات على الرجوع إلى الخلف خطوة كلّما تقدمت خطوتين إن لم يغلب الرجوع إلى الخلف التقدم. أول هذه الإدارات ما يجوز أن نطلق عليها الإدارات الأنانية، وهي إن أردنا تعريفها بإختصار إدارات مبنية حول شخص فقط (المسؤول)، هذا الشخص بصفته صاحب القرار في مؤسسته يصب كامل تركيزه ويجعل هدفه الأكبر الفائدة الشخصية وتلميع إسمه لعلّ وعسى أن يدخل في دائرة الشخصيات المتداولة للمناصب. أمّا الثانية، فهي الإدارات المرعوبة، وهذا النوع من الإدارات لايقل خطراَ عن النوع الأول لما يشكلّه من خطورة على نمو وتطور المؤسسات والدولة؛ لا بل أن هذا النوع قد يكون جزءا ضمن النوع الأول، فإن جئنا أن نلخّص مفهومه نقول أن الإدارات المرعوبة هي الإدارة الخالية من الخطط والتي تعمل فقط إستجابة لمحفزّات تجبرها على الإنجاز، وهذه المحفزّات عادة يكون مصدرها إمّا سلطة أعلى منها، أو رهبة من رد فعل الرأي العام على حدث معين.

نحن نعاني اليوم وأكثر من أي وقت مضى من إنتشار هذه الأنواع من الإدارات في مؤسساتنا وعلى أكثر من مستوى، ويعزّى هذا الإنتشار لعدّة أسباب يمكن أن نعزيها للآتي: أولاً، سياسة عدم حماية المسؤول؛ كثير من المسؤولين أصبحوا مرعوبين لأن إداراتهم المسؤولة عنهم مرعوبة وبالتالي يصبح المسؤول الحلقة الأضعف عند حدوث أي إحتكاك مع أي جهة. ثانياً، غياب الأمن الوظيفي للمسؤول، فليس هناك ما يمنع أن يجرّد المسؤول من منصبه دون سابق إنذار أو سبب بائن؛ قد يكون كل ما في الأمر سياسة إستحلال على مبدأ الواسطة والمحسوبية والتنفيعات. ثالثاً، وضع الشخص غير المناسب بالموقع غير المناسب؛ وهذا بحدّ ذاته أفرز قيادات كل ما تطمح إليه هو تأمين لقب وراتب تقاعدي ممتاز. رابعاً، غياب أسس تقييم أداء واضحة وصريحة للمسؤول، مما أدى إلى ظهور قيادات تقيّم أداءها بأنفسها في كثير من الأحيان على أسس تسويقية تعتمد على وسائل الإتصال الإجتماعي مثلاً فيما هي بعيدة كل البعد عن الميدان والإنجاز الفعلي. خامساً، وهي المشكلة القديمة الجديدة وتتلخّص بغياب ثقافة المؤسسات وحضور ثقافة المسؤول، ولذلك ينعدم تراكم الإنجاز في أغلب الأحيان، لأن الجديد يهدم إنجاز القديم وهلم جرّا.

هذه الإدارات هدّامة لا بانية، تدور حول مصلحة أشخاص لا مؤسسات أو وطن. هذه الإدارات هي أول من يستجيب للواسطة والمحسوبية وهي من يرسّخ الترهل الإداري ويعزّز وجوده للحفاظ على مصالح فقط. لقد وصل بنا الحال إلى مؤسسات تعمل فقط إستجابة لطارىء ما على نظام الفزعة خوفاً من ضجيج يحدثه الرأي العام أو صورة تنشر على وسائل التواصل الإجتماعي لتنشئ وعلى الفور سلسلة من عمليات التوبيخ تتدرج من أعلى هرم المسؤولية حتى تجد حلقة أضعف تكون عادةً في قاعدة الهرم تحمّل هي الخطأ كاملاً بغنى عن كل ما يعلوها من حلقات قد تكون على صلة مباشرة أكثر.

لا تدار المصلحة العامة بهذه الطريقة، وكلّنا نشهد اليوم ما يحصل في مؤسساتنا من تراجع في الأداء بسبب تفشي هذه الأساليب الإدارية. على الدولة أن تحمي كافّة مسؤوليها المدعوم منهم واللامدعوم، وعلى المسؤول أن يحمي ويحافظ على مؤسسته بكافة أركانه وموظفيها. كفانا إدارات إستعراضية في مجال الإنجاز الإفتراضي اللاملموس؛ لقد شحّ الإنجاز الحقيقي وأصبحت كثير من المؤسسات ما هي إلّا عبئاً على الدولة لما يتطلبه وجودها من تكاليف في الوقت الذي لا تقوم هي بالواجبات المنوطة بها لتتهم بعرقلة الإزدهار بدل تعزيزه.

الرأي

مدار الساعة ـ نشر في 2017/07/02 الساعة 02:12