الحرب المشتعلة في أوكرانيا مليئة بالدروس والدلالات والعبر لمن يريد أن يتعظ، أول هذه الدروس أنه لا مكان في هذا العالم إلا للأقوياء، فهم وحدهم الذين يرسمون شكله ويحددون مساراته، وأن القوي وحده هو القادر على الدفاع عن مصالحه وعن وجوده وحدوده حتى ضد الأخطار المحتملة قبل وقوعها، مثلما تفعل روسيا الآن في حربها ضد أوكرانيا، أما الضعفاء فانهم يحددون مواقفهم من الأحداث دون اجراء حسابات دقيقة ولذلك رأينا العرب ينقسمون في موقفهم من الحرب إلى فريقين كل منهما يؤيد طرفاً من طرفي الصراع, بصرف النظر عن الحقوق والمصالح الع?بية الحقيقية، وموقف كل من الطرفين المتصارعين من هذه المصالح خاصة الحقوق العربية في فلسطين.
الدرس الثاني الذي تؤكده الحرب في أوكرانيا، أنه لا أحد يخوض معركة أحد، ولا أحد يدافع عن أحد، ولا أحد يحارب نيابة عن أحد، إلا في بلادنا العربية حيث تحارب العصابات الإرهابية وبعض دول المنطقة نيابة عن الدول الكبرى التي لا تريد لهذه المنطقة أن تستقر بخلاف ذلك تترك الشعوب لمواجهة مصيرها، وآخر مثال على ذلك أوكرانيا التي ظنت أن الناتو لن يتخلى عنها لكنه فعلها وتركها تخوض حربها حتى لا نقول تخوض الحرب نيابة عنه.الدرس الثالث الذي أكدته الحرب في أوكرانيا هو أكذوبة الرأي العام العالمي، الذي لم يفعل سابقاً شيئاً للشعوب التي احتلت أرضها وانتهكت سيادتها وشردت أبناءها، ولم يفعل الآن لأوكرانيا شيئاً سوى الثرثرة والاستنكار اللفظي، الذي لا يغير على أرض الواقع شيئاً، خاصة عند الأقوياء وقد جربنا الرأي العام في فلسطين وجربناه في ليبيا وفي غيرهما، فتأكد لنا أنه مجرد اكذوبة في معظم الأحيان، ومجرد ستار في أحيان أخرى يستعمله القوي للتمهيد لجرائمه كما حدث في العراق على سبيل المثال، وفي كل الأحوال فإن الخاسر من يعتمد على الرأي العا? لاستعادة حقوقه.الدرس الرابع الذي أكدته الحرب في أوكرانيا، هو أكذوبة موضوعية الإعلام الغربي وحياديته ومهنيته، فقد قدمت الحرب في أوكرانيا برهاناً جديداً على إنحياز وتحيز الإعلام الغربي وعدم موضوعيته، فقد كان هذا الإعلام يتنقل أثناء غزو العراق على ظهر دبابات الغزاة، ويشيد بإنجازاتهم، وها هو يمارس أقذر أنواع العنصرية عندما يتحدث عن اللاجئين الفلسطينيين والعراقيين باعتبارهم «سُمر»، ومن شعوب العالم الثالث ومن ثم لا ضير بأن يشردوا ويصبحوا لاجئين، لكنها تتباكى على الأوكرانيين باعتبارهم أوروبيين من أصحاب العيون الزرقاء والشعور ال?قراء مما لا يجوز معه أن يتحولوا إلى لاجئين، وهي عنصرية لم تتوقف عند حدود الإعلام لكنها ترددت على ألسنة الكثير من الغربيين مما يؤكد ثقافة الغرب العنصرية الاستعمارية، التي طالما غطاها بطبقة خفيفة من الكريمة لخداع الآخرين، لكن سرعان ما تذوب هذه الطبقة لتؤكد الهوية العنصرية الاستعمارية للغرب التي تؤكد تصرفاته دائماً بأن هذا العالم للأقوياء فقط. الرأيBilal.tall@yahoo.com