لو حاولنا أن ننظر إلى جذور مشاكلنا، وليس فقط لمظاهرها، لوجدنا أن المجتمع يواجه صراعات ومعضلات لم يتم نقاشها بشكل علمي لمحاولة حلها على نحو مُرضٍ، وهي صراعات تسببت في ما وصلنا اليه من حالة تأزيم وانفعال وغضب، ولم تزل سبباً فى الكثير من الأزمات التي تظهر من آن إلى آخر, وبات واجبا طرحها على مائدة الوطن, وتحديدا على مائدة من يجرون اليوم حوارا اقتصاديا متعدد المحاور والاتجاهات, وبالامس طرحت في هذا المكان ابرز جدلية او معضلة تواجهنا وهي عدم حسم شكل وطبيعة العلاقة بين البيروقراطي والديمقراطي..الصراع الثاني أو المعضلة الساكنة في العقول وترددها الألسنة على نحو يقيني, هو الصراع بين الأغنياء والفقراء، وهو الذي جسدته وتجسده عبارات وشعارات تتردد على ألسنة الغاضبين وربما تم استنساخها من التجربة المصرية «الخبز والحرية", معدل الفقر في الاردن مقلق بمعنى آخر عالٍ بدليل ان الجميع يتحدث عن هذا القلق, من رأس الدولة الى آخر مواطن, وليس له علاقة بالمناسبة بنسبة البطالة العالية ايضا, فليس كل عامل غير فقير، وفقر الفقراء فى مخيلة البعض يرتبط بثراء الأثرياء فقط، وأنه لو تمت إعادة توزيع الدخل فى الاردن لأصبح الفقراء غير فقراء.الحقيقة أن هذا غير صحيح. معدل الفقر فى الاردن كبير ويتزايد لأسباب كثيرة من ضمنها سياسات خاطئة من الدولة لفترة طويلة، ومنها معدلات زيادة سكانية عند الفئات الأكثر فقراً والأقل تعلماً بما يزيد الأمر سوءاً لهؤلاء, ومن يدرس ظاهرة الفقر فى الاردن أكاديمياً يكتشف أن المسألة لن تحل بقرار حكومى، سواء ارتبط بإعادة توزيع الدخل أو تغيير نظام الضرائب، أو وضع حدين أقصى وأدنى للأجور, المسألة بحاجة لاستراتيجية وطنية تدعم النمو الاقتصادى وتربطه بالتنمية وتدعم العدالة الاجتماعية كذلك.لن اقع في شبكة الظن, بل اقولها بيقين, لدينا كل موجبات النجاح, بل وكل موجبات الرفاه, وبلغة الاقتصاد الرقمي والريادة السائدة حاليا, فنحن نملك «سوفت وير» مذهلاً, قوامه شباب متعلم ومقبل على الحياة بألق وصدر مفتوح, ولدينا «هارد وير» ايضا مذهل, قوامه منظومة الاستقرار الامني والاجتماعي, ومناخات متعددة للاستثمار, الزراعي والسياحي والريادي, والطاقة النظيفة وكثير من المجالات المفتوحة للابداع وللخيال العلمي والابتكاري.المعضلة ان النظام البيروقراطي ما زال مسيطراً, وللاسف بنسخته البالية والقاتلة لاي طموح وابتكار, فالاصل ان توفر الدولة فضاءً حراً للاستثمار والابتكار وان تطرح روزنامة للفضاءات الاستثمارية, لكن ليست هذه الروزنامة هي القدر الذي لا مفر منه, ولا يمكن ان نجبر القطاع الخاص على الاستثمار في هذه الفضاءات, فهذا يملك ماله الخاص وعقله الخاص, ومن حقه ان يحظى بفرص الابداع والاستثمار التي يريد, وبتسهيلات كاملة, ايضا يجب تطوير الجهاز البيروقراطي, فلا يعقل ان يجلس مبدع او مبتكر مع موظف ناقم او غير فاهم.فقر الفقراء يحتاج الى مشروع وطني عابر للحكومات, ونمتلك كل موجبات النجاح, على ان يكون القرار الرسمي جادا وحاسما, وقبل كل ذلك تقليل مساحة سطوة رأس المال المالي, وتخفيف سيطرته على مناحي الحياة الاقتصادية, فكيف نفهم ان هذه المؤسسات تحقق ارباحا تلامس حاجز الـ 20% في بلد يعاني من تراجع نسب النمو طوال السنوات التي يحقق فيها الرأسمال المالي ارباحه العالية؟
omarkallab@yahoo.com
الرأي