من المبررات التي يحاول البعض تقديمها كدليل على ضعف الحياة الحزبية في الأردن، هي أن الأحزاب في الأردن ارتبطت بأشخاص، وصارت تعرف بهم، ويذهب الشطط ببعض أصحاب هذا التبرير إلى تحويله إلى تهمة للحياة الحزبية في بلدنا.
عندي أن أصحاب هذا الرأي يهرفون بما لا يعرفون ويخالفون منطق الأشياء وأنهم يجدفون ضد منطق التاريخ, فالتاريخ يقول إن الأفكار والمشاريع الكبرى ارتبطت دائماً بأشخاص تقوى بهم إذا كانوا أقوياء وتضعف معهم إذا كانوا ضعفاء، وتتشرذم إذا انقسموا، فالشيوعية رغم عالميتها ظلت مرتبطة بكارل ماركس وصارت تعرف بالماركسية، حتى عندما انقسمت أو انقسم أتباعها صارت مدارسها وانشقاقاتها تعرف باسماء أشخاص هذه المدارس والانشقاقات، فصار لدينا اللينينية نسبة إلى لينين، والماوية نسبة إلى ماو، والتروتسكية نسبة إلى تروتسكي, وفي العالم الرأسمالي تعرف الأحزاب بقادتها وكذلك الحكومات الحزبية بمن يرأسها, ولذلك تبحث هذه الأحزاب عن أشخاص أقوياء بذاتهم لتخوض بهم المعارك الانتخابية بما في ذلك انتخابات الرئاسة الأميركية.
وفي بلادنا ارتبطت الأحزاب والحركات والجماعات بأسماء أشخاص, بما في ذلك الحركات الدينية فجماعة الإخوان المسلمين ارتبطت وما تزال بحسن البنا, والوهابية ارتبطت وما تزال بمحمد بن عبدالوهاب، كذلك ارتبطت الحركات القومية بأشخاص فالناصرية ارتبطت بجمال عبدالناصر, وارتبط البعثيون بمشيل عفلق, ثم حمل كل فريق منهم اسم الشخص الذي قاد انشقاقا من انشقاقاتهم فصرنا نعرف بعث البيطار وبعث صدام وبعث الأسد وبعث جديد....الخ, وكذلك هو حال حركة القوميين العرب وارتباطها بقسطنطين زريق ثم بعدد من الرجال أما الحزب القومي السوري الاجتماعي فلا يذكر بدون مؤسسة انطون سعادة.
ومثل الأحزاب والحركات كذلك عرفت الثورات بأسماء رجالها فالثورة الإيرانية عرفت وما تزال بالخُمّيني, وقبلها ارتبطت ثورة العرب الكبرى بالشريف حسين وارتبطت ثورة السودان بالمهدي... الخ.
بل أن الأديان السماوية ارتبطت برسلها, وعرفت الأديان الوضعية بمن اسسها فحملت البوذية اسم بوذا وحملت الكنفوشيوسية اسم كونفو شيوس.
كل ما تقدم هو أمثلة تؤكد أن ارتباط الحزب برجل هو أمر طبيعي وليس خللاً تعاني منه الحياة الحزبية, لكن الخلل يكمن في نوعية الرجال الذين يتصدون للعمل الحزبي, ذلك أن رجلاً بألف رجل كما قالت العرب, لذلك فإن العبرة ليست بالعدد لكن بنوعية من يتصدى للقيادة حيث يجب ان تتوافر فيه صفات قيادية لديها ما تقوله وتطرحه على الناس وقادرة على إقناع الناس بما يطرح, وقادرة على قيادتهم وهذا يعني أن تتوافر فيه شروط القيادة ومهارتها, وقبل ذلك كله الإيمان بفكرة ووضع برامج وخطط لتحقيقها وهو أمر غير متوافر في بلدنا حتى الآن.
الرأي