لم تُبدِ دول الغرب الاستعماري وبخاصة الولايات المتّحدة حماسة أو ترحيباً, إزاء العرض الذي قدّمته الصين الاثنين على لسان وزير خارجيتها وانغ يي عندما قال بوضوح: حلّ النزاع في أوكرانيا يتطلّب أعصاباً هادئة، بدلاً من صبّ الزيت على النار، و"مستعدون للتوسّط»، بل سارَعت إلى إلقاء المواعظ والتحذيرات المحمولة على غطرسة إمبريالية معروفة, عبر استخدام مفردات تفوح منها رائحة الاستعلاء على النحو الذي استبطنه تصريح رئيس الدبلوماسية الأميركية بلينكن خلال زيارة لاحدى جمهوريات البلطيق/لاتفيا بقوله: على الصين أن تتحدّث بصوتٍ عالٍ، فيما سارع وزير الخارجية الفرنسي/لودريان إلى القول: إنّ بإمكان الصين أن تضغط على روسيا، و"يجب» أن تستخدم تأثيرها لتفادي الأسوأ في أوكرانيا. وكان لافتاً الرفض الصريح لهذه الوساطة في تصريح أدلى به مفوض الشؤون الخارجية في الاتّحاد الأوروبي/بوريل قائلاً: أجريت محادثات طويلة مع الوزير الصيني، برأيي -أضاف- لا يدور الحديث عن وساطة, لكن من الواضح أنّ الصين تتمتّع بنفوذ لدى روسيا!! علماً أنّ بوريل نفسه كان قال في وقت سابق بضرورة وجود «وسيط» لفضّ النزاع بين روسيا وأوكرانيا.."ما من بديل.. يجب أن تكون الصين.. أنا متأكد من الأمر, -مضيفاً–لا يمكن للدبلوماسية أن تكون أوروبية أو أميركية، الدبلوماسية الصينية لديها دور تلعبه هنا».
هل رفض المُعسكر «الغربيّ».. «عَرْض الوساطة» الصينِيّ ولماذا؟
محمد خروب
kharroub@jpf.com.jo
kharroub@jpf.com.jo
مدار الساعة ـ
مؤشرات عديدة تعكس ضمن أمور أخرى معضلة أقرب إلى التخبّط, تواجه الموقف الغربي بجناحيه الأميركي/والأوروبي، إزاء ما يحدث في أوكرانيا، حيث لا مبالغة في القول أنّها أبعد من أن تكون مواجهة روسية/أوكرانية بقدر ما هي في الواقع الميداني/والسياسي/ والاقتصادي وخصوصاً الإعلامي, مواجهة محتدمة بين روسيا وحلف الأطلسي, الذي يُغدق السلاح الفتّاك والأموال وكتائب «المتطوعين», لإنقاذ النظام الأوكراني الذي «ورّطه» الأطلسي في حرب خاسرة.
يمكن والحال هذه الإضاءة على جملة من الملفات والقضايا المعقدة/والصعبة المفتوحة على احتمالات عديدة تواجهها العلاقات الأميركية/الصينية, والتي تنسحب بالضرورة على حال الاصطفاف والاحتقان الراهنة بين المعسكر الغربي وكلّ من الصين/وروسيا, والتي تجد بعض تجلياتها في إعلان البيت الأبيض أمس/الثلاثاء, بأنّ عدم «امتثال» الصين للعقوبات ضدّ روسيا قد يُقابَل بخطوات «انتقامية» من جانب واشنطن.
ليس ثمّة ما هو جديد أو مفاجئ في تهديدات أميركية متغطرسة كهذه، فالعلاقات بين بكين وواشنطن على درجة من البرود (حتّى لا نقول السوء) يصعب التكهّن باحتمال دخولها في مرحلة الدفء، كون الصين لم تُخفِ موقفها من التطورات الأخيرة في أوكرانيا، وهو ما جاء على لسان وزير الخارجية الصيني/وانغ يي, عندما عرَضَ وساطة بلاده في الأزمة الأوكرانية وقوله: ملتزمون بالشراكة والصداقة مع روسيا، وعلاقاتنا مبنية على عدم الانحياز والمواجهة، مُشدداً على أنّ «البلدين يرفضان العودة إلى عقلية الحرب الباردة», مع تأكيده «حرص بلاده على عدم تدخّل طرف ثالث في علاقاتها مع موسكو»..بل ذهب بعيداً في التصويب على واشنطن, عندما اتّهم الأخيرة بأنّها «تسعى لتشكيل تركيبة شبيهة بحلف شمال الأطلسي/الناتو، في منطقة المُحيطين الهندي والهادئ (في إشارة على ما يبدو إلى قرارات قمة «رباعية كواد» الافتراضية, التي عقدت مُؤخراً وإعلان قادة أميركا، الهند، أستراليا واليابان أنّهم «لن يسمحوا باستخدام القوة العسكرية لحل النزاعات السياسية, كما هي الحال في أوكرانيا في منطقة المُحيطيْن الهندي والهادئ، والرسالة واضحة إلى بكين بشأن تايوان). علماً أنّ القمة الرباعية هذه, فشِلت في الاتفاق على إدانة «صريحة» لروسيا، خصوصاً أنّ ثلاثة من دولها سارعت إلى ذلك وهي الولايات المتّحدة، أستراليا واليابان فيما الهند وحدها لم تُدِنها.
من هنا فإنّ الرفض الغربي للوساطة الصينية, إنّما ينبع من اعتبارات عديدة أبرزها أنّ الصين هي المرشحة «الطبيعية» لرزمة من العقوبات الأميركية, وربما تشاركها بعض (وليس كلّ الدول الأوروبية) في حال «خرقها» العقوبات التي تنظر إليها واشنطن على أنّها «أوامر», يتوجّب على كلّ دولة أن تمتثل لها حتّى بالضد من مصالحها الوطنية, تحت طائلة النبذ والعقوبات القاسية. وهو أمر لا نحسب أنّ الصين مستعدة للاستجابة له حفظاً لكرامتها وقراراتها السيادية, وإن كانت في الآن ذاته تبدي حرصاً على عدم وصول علاقاتها مع الغرب الأميركي/والأوروبي إلى مواجهة عاصفة. ناهيك عن علاقاتها الاقتصادية/والتجارية القوية مع دول الاتّحاد الاوروبي، في الوقت ذاته الذي تُشكّل فيه علاقات الصين مع روسيا نافذة فرص اقتصادية/واستثمارية و«ورقة حيوية» في مواجهتها المقبلة/المؤكدة مع واشنطن. حيث الصين تُحمّل الولايات المتّحدة المسؤولية الأولى في اندلاع وتفاقم الأزمة الاوكرانية، ناهيك عن قناعاتها التي تجلّت في تصريحات مسؤوليها بأنّ «الغرب سيُعاني من العقوبات أكثر من روسيا».
kharroub@jpf.com.jo
الرأي