منذ زمن بعيد تم ابتكار النظام الدولي نظرياً من قبل رجالات السياسة لكي يسهل عملية تقييم وتحديد قوة أي نظام سياسي ومن خلاله يمكن تنظيم العلاقات بين الدول ويبين درجات النفوذ والسيطرة للدول، يعزل ويقسم الدول بناءً على القوة ضمن البيئة الكلية للعالم اجمع، وهذا النظام هو مُصنَع أصلاً من القوى العظمى ومنظمات ورجالات وشركات لهم نفوذ كبير وقوي في كل انحاء العالم.
وهذا النظام هو الذي يبني طبيعة العلاقة مع الدول بحيث تراها علاقات عدائية وخلافية نزاعية مع دول أو انها علاقات أخرى مليئة بالتعاون والمشورة والتبادلية المصلحية، وذلك تبعاً لتلك المعايير والقواعد لهذا النظام العالمي الذي يتدخل في كل الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتاريخية ويضبط ايقاع السياسة للدول اما استقراراً واما ويلات النزاع البيني أو الداخلي العرقي الطائفي أو الجوع والتجويع هنا أو هناك.
وهذا النظام له جانب آخر حسن إذ أنه يشجع ويعمل على تنظيم العلاقات بين الدول المتنازعة، ومساعدة الدول في التطور والتنمية والاستقلال والحث على حماية حقوق الإنسان واحترام الآدمية وحريتها، والتدخل إنسانياً لحماية الإنسان في كثير من الأحيان، لهذا السبب وغيره من الأسباب فإن الدول النامية تحترم وتطبق وتتماشى مع النظام العالمي لأنه يفتح المجالات والفرص التجارية والتعليمية والصناعية والتكنولوجية وتلقيها المساعدات والقروض، كما أن ترسيخ فلسفة سياسة الالتزام بالقانون الدولي من قبل الدول النامية والمتوسطة يبعد عنها العق?ب ويبقيها ضمن دوائر الاهتمام.
لكن وبسبب الإجراءات غير العادلة في أحيان كثيرة من هذا النظام العالمي أصبح الكثير في هذه المعمورة يعيش في الأزمات الاقتصادية والسياسية بشكل لا يمكن أن تتحمله الشعوب وخاصة ان التقدم التكنولوجي والرقمي صار يضع وبسهولة كل العالم امام الانسان وفي أي مكان ويرى بوضوح كل ما يجري وما يفعله العالم ان كان عدلاً أو انحيازاً أو غير ذلك.
إضافة الى ذلك فان البنية والقفزات السريعة لقوى جديدة مثل الصين وروسيا وغيرهما وتفوقها على جوانب كثيرة من النظام العالمي وفقدان الوزن التقليدي الأوروبي لدول أوروبا وولادة المنافسة الشديدة بين كل هذه المكونات الدولية فان النظام الدولي أصبح غير فعال ويشهد أزمات سياسية واقتصادية كبيرة جداً.
كذلك فان تغييرات كبيرة طرأت وتطرأ الآن وخصوصاً بين أميركا والصين وروسيا، من حيث حروب خراب الشرق الأوسط وسياسات نظام النقد الدولي، وظهور تنوع في العلاقات الدولية تجاوزت القطبية التقليدية وزاد التركيز على تحقيق المصالح الوطنية وتضاعفت الخيارات السياسية الخارجية، إضافة الى التقدم التكنولوجي النووي واتساع تسويقه، والأهم هو التحولات الاقتصادية الجديدة والتي غيرت في ظروف الدول اجتماعياً وسياسياً.
أما الوضوح الأكثر هو تراجع الولايات المتحدة وخروجها من الشرق الأوسط وبروز ظاهرة عدم التوافق الداخلي، وضعف سياسة المواجهة المفاجئة في قيادة العالم كما في جائحة كورونا، مما أوضح أن الصين هي ذات مكانة عظمى في النظام الدولي والتي باتت تطالب بنظام جديد لا يسمح بالانفرادية فيه وها هي روسيا تعود بنفس وبقوة الاتجاه الصيني، وعليه فان النظام العالمي الجديد أصبح تقريباً ثلاثي الأقطاب وسيقود العالم وسنرى كيف ستسير العلاقات والتفاعلات بين هذه الدول ودول العالم في هذه المعمورة.
الرأي