مدار الساعة - أصدرت منظمة "كيج" Cage الحقوقية البريطانية تقريراً جديداً اتهمت فيه فرنسا باستهداف سكانها المسلمين استهدافاً منهجياً بمجموعة من السياسات التي استحدثتها إدارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للتصدي لما يُسمى "الانفصالية والإسلاموية".
موقع Middle East Eye البريطاني قال إن التقرير يسلط الضوءَ على استخدام ماكرون سلطاته التنفيذية لإقرار ما يسميه التقرير سياسات "تعويق منهجية" فُرضت على الجماعات والمؤسسات الإسلامية في فرنسا على مدى السنوات الأربع الماضية.
إذ كان الهدف المعلن في البداية لتلك السياسات التي صيغت في عام 2017 هو معالجة الأسباب التي تدفع بعض الفرنسيين المسلمين من مناطق معينة في فرنسا إلى ترك البلاد والالتحاق بالتنظيمات المسلحة في سوريا والعراق. ثم تحوَّل الأمر بعد ذلك إلى مشروع وطني يرمي إلى التصدي لـ"الإسلاموية" ومكافحة ما سمّاه نزعة "الانسحاب من المجتمع والانعزال عنه" في جميع أنحاء البلاد.
منذ ذلك الحين، أقرَّت فرنسا مجموعةً من القوانين المثيرة للجدل التي وصفتها منظمات حقوقية كثيرة بأنها معادية للإسلام، ومن أبرزها قانون مكافحة النزعة الانفصالية وما يُعرف بوثيقة "ميثاق الإمام" التي يُفرض على المساجد والمؤسسات الإسلامية اعتمادها.
يزعم تقرير منظمة "كيج" أن السلطات التنفيذية للدولة الفرنسية عمدت بنفسها إلى تنفيذ سياسات "التعويق المنهجية" للمؤسسات والهيئات الإسلامية في البلاد، وأنها أنشأت "خلايا تنفيذية" في كل دائرة من الإدارات الحكومية الفرنسية البالغ عددها 101 إدارة، للعمل على فرض أقصى قدر ممكن من الضغوط على الجمعيات والمنظمات والهيئات الإسلامية.
ويستدل التقرير بما أوردته وثائق الحكومة الفرنسية من أن تلك الخلايا المنتشرة في الإدارات الحكومية تسعى إلى "تنظيم العمل بين جميع الجهات التي يمكن أن يكون لها دور في محاربة الإسلاموية ومكافحة نزعة الانسحاب من المجتمع".
فيما يقول تقرير "كيج" إن سياسة التعويق المنهجية استُخدمت لفصل المنظمات الإسلامية عن غيرها، ومنح الدولة "سلطات واسعة النطاق لمراقبة المؤسسات وإغلاقها، وحل المنظمات بقرار من جانب واحد، ومصادرة الأموال بحجة الحفاظ على المبادئ الجمهورية للبلاد ومحاربة الإسلامية أو الانفصالية أو كليهما".
ولفتت المنظمة إلى أن هذه السياسات استُخدمت ذريعةً لإغلاق ما لا يقل عن عشرة مساجد، ومئات الشركات والجمعيات الخيرية المملوكة لمسلمين، ومصادرة أصول بملايين الدولارات، بدعوى أن المؤسسات تشارك في ترويج الإسلاموية.
ويأتي من بين المنظمات التي حظرت السلطات الفرنسية عملها بدعوى ترويج الدعاية الإسلاموية: جمعية "بركة سيتي" الخيرية الفرنسية الإسلامية، و"التجمع المناهض للإسلاموفوبيا في فرنسا" (CCIF) المعنيّ برصد الهجمات على المسلمين في جميع أنحاء البلاد. ومع أن المنظمتين تنفيان الاتهامات وعرضتا الانفتاح على أي تحقيق في أعمالهما، فإن قرار حل المنظمتين ما زال سارياً.
إذ قال إدريس السحميدي، رئيس جمعية بركة سيتي، إن سياسات ماكرون ترمي إلى تدجين مسلمي فرنسا وإجبارهم على الانقياد إلى سياسات اضطهاد الدولة لهم في عهده، وأوضح السحميدي في بيان له أن "فرنسا عزمت على استهداف كبار مجتمع المسلمين في فرنسا، وحشدت كل أنواع الضغوط التي يمكن تصورها للتضييق على الأشخاص الذين يريدون الدفاع عن المسلمين" في مواجهة هذه السياسات.
وتابع السحميدي أن "خلاصة الرسالة الذي تريد الحكومة الفرنسية إرسالها إلى المسلمين الفرنسيين هي أننا سنحتكر الهيمنة على دينكم، وأن الإسلام في فرنسا سيكون تحت سيطرة وزارة الداخلية".
إسلاموفوبيا "مؤسسيَّة"
في مؤتمر صحفي أقامته منظمة "كيج" يوم الأربعاء 2 مارس/آذار لعرض نتائج تقريرها، طالبت المنظمة بإلغاء فوري لهذه السياسات التنفيذية؛ إذ ذهبت المنظمة إلى النتائج التي خلصت إليها في تقريرها وتكشف عن انتهاكات تبلغ حدَّ الاضطهاد المنهجي، على النحو المحدد في القانون الدولي.
وأشار ريان فريشي، الباحث في منظمة كيج وأحد الخبراء القانونيين المشاركين في إعداد التقرير، إلى أن التقرير يكشف عن الكيفية التي تمَّ بها "إكساب الإسلاموفوبيا طابعاً مؤسسياً في إدارات الدولة من خلال تعزيز البنية التحتية لسلطات إنفاذ القانون وانتهاج سياسات المراقبة الجماعية".
وفي إشارة إلى ما سمّاه التقرير سياسة التعويق المنهجية لمسلمي فرنسا، قال فريشي إن "الحكومة الفرنسية أقرَّت قبل 4 سنوات العملَ بسياسة سرية وحشية تقوم على تعزيز الإسلاموفوبيا" ومعاداة المسلمين.
كما أضاف أن "التقرير يوثِّق كيف فكَّكت الدولة الفرنسية بلا هوادة أسس الحكم الذاتي للجالية المسلمة بإجراءات تتضمن اضطهاداً منهجياً محسوباً، ونشرها الرعب بين الطائفة المسلمة بأكملها بسياسات تضمنت إغلاق 718 مؤسسة إسلامية، وإجراء 24884 عملية تفتيش، واستيلاء الدولة على 51 مليون دولار، لذا نقول إنه قد حان الوقت لوقف محاكم التفتيش هذه ضد المسلمين".