مدار الساعة - عاشت أوروبا ليلة عصيبة بعد أن وردت تقارير تفيد باندلاع حريق قرب أكبر المفاعلات النووية في القارة، بسبب وقوع اشتباكات عنيفة بين القوات الروسية والأوكرانية بالقرب منها، ما أثار قلق كل من أمريكا وبريطانيا اللتين خرج قادتهما للتحذير من خطورة الأمر وعواقبه الوخيمة.
ماذا حدث صباح الجمعة؟
مع الساعات الأولى لصباح الجمعة 4 مارس/آذار 2022، قالت السلطات الأوكرانية إن حريقاً اندلع في مبنى تدريب خارج محطة زابوريجيا، بعد أن قصفته القوات الروسية، بحسب الرواية الأوكرانية.
جاء التقرير الأول من موظف في المحطة، قال إن القوات الروسية أطلقت النار على المنشأة، مؤكداً وجود "تهديد حقيقي بخطر نووي في أكبر محطة للطاقة النووية في أوروبا".
في تمام الساعة 2:30 صباحاً بالتوقيت المحلي، أكد وزير الخارجية الأوكراني التقارير عبر تغريدة على حسابه بتويتر، وقال إن الجيش الروسي كان "يطلق النار من جميع الجهات على محطة زابوريجيا، متسبباً باندلاع حريق"، ودعا إلى وقف فوري لإطلاق النار للسماح لرجال الإطفاء بالسيطرة على الحريق.
بعد ذلك بوقت قصير، أفادت دائرة الطوارئ الحكومية الأوكرانية أن الإشعاع في المصنع كان "ضمن الحدود الطبيعية" وأن ظروف الحريق في المصنع كانت "طبيعية". وذكرت أن الحريق اندلع في مبنى خارج محطة الكهرباء.
من جانبها، قالت مفتشية الرقابة النووية في أوكرانيا، إن حجرة المفاعل بمحطة زابوريجيا النووية تعرضت لأضرار دون أن تؤثر على سلامتها.
كما أفادت لاحقاً أن وحدة الطاقة الثالثة في المحطة تم فصلها في الساعة 2.26 صباحاً، ولم يتبقَّ سوى واحدة من الوحدات الست بالمحطة، وهي الوحدة الرابعة، قيد العمل.
ومنذ ساعات الصباح قالت السلطات المحلية إن القوات الروسية تمكنت من السيطرة على محطة زابوريجيا للطاقة النووية.
فيما ذكرت على وسائل التواصل الاجتماعي أن "الطواقم التشغيلية تراقب حالة وحدات الطاقة".
أين تقع المحطة وما دورها؟
يقع المفاعل النووي في جنوب شرق أوكرانيا في منطقة Enerhodar على ضفاف نهر دنبير، حيث يبعد حوالي 200 كيلومتر عن منطقة دونباس المتنازع عليها و550 كيلومتراً جنوب شرق كييف.
وفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية، تنتج مفاعلاتها الستة ما مجموعه 6000 ميغاوات من الطاقة الكهربائية، بحسب صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
وبالمقارنة، كان مفاعل تشيرنوبيل في شمال أوكرانيا ينتج 3800 ميغاوات – أقل بمقدار الثلث تقريباً. (الميغاواط، مليون واط، هي طاقة كافية لإضاءة 10000 لمبة مئة واط).
يذكر أن محطة زابوريجيا بُنِيت عام 1985 حين كانت أوكرانيا لا تزال جزءاً من الاتحاد السوفييتي السابق، وتضم ستة مفاعلات نووية وتوفر جزءاً كبيراً من احتياجات أوكرانيا من الكهرباء.
والآن تعود ملكية وإدارة المحطة من قبل شركة توليد الطاقة النووية الوطنية الأوكرانية، وهي واحدة من أربع محطات نووية عاملة في البلاد، وتولد ما يصل إلى 42 مليار كيلوواط/ساعة من الكهرباء، ما يمثل حوالي 40% من إجمالي الكهرباء المولدة من جميع محطات الطاقة النووية الأوكرانية وخُمس إنتاج الكهرباء السنوي، بحسب ما أفاد موقع "Power Technology".
قوتها التدميرية
بعد ورود أنباء عن وقوع اشتباكات قرب محطة زابوريجيا، بدأت تصريحات محلية ودولية، تحذر من خطر تضرر هذه المنشأة النووية التي تُعرف بأنها أكبر محطة للطاقة النووية في أوروبا وواحدة من أكبر 10 محطات للطاقة النووية في العالم.
ففي تغريدة على تويتر ناشد وزير الخارجية الأوكراني، دميترو كوليبا القوات الروسية وقف قصفها للمحطة، محذراً من أنه إذا انفجرت سيتسبب الانفجار بكارثة نووية تفوق بعشرة أضعاف كارثة تشيرنوبل.
يذكر أن كارثة تشيرنوبل كانت قد هزت العالم عام 1986، نتيجة وقوع خطأ في تجربة بالمفاعل رقم 4 من المحطة، ما تسبب بأكبر كارثة نووية شهدها العالم.
هل هناك خطر إشعاعي؟
في الوقت الحالي، بعد توقف الاشتباكات وإطفاء الحريق، قالت السلطات الأوكرانية إن منشأة زابوريجيا مؤمَّنة و"السلامة النووية مضمونة الآن".
من جانبها، قالت الولايات المتحدة إن أحدث معلوماتها لا تظهر أي مؤشر على ارتفاع مستويات الإشعاع في المصنع، فيما قالت وزيرة الطاقة الأمريكية جينيفر جرانهولم، إن المفاعلات "محمية بأبنية احتواء قوية وتم إغلاق المفاعلات بأمان".
كما أكد بعض المحللين أن محطة زابوريجيا من نوع مختلف وأكثر أماناً من محطة تشيرنوبيل، التي كانت موقعاً لأسوأ كارثة نووية في العالم في عام 1986.
يذكر أن روسيا كانت قد استولت بالفعل على محطة تشيرنوبيل، على بعد 100 كيلومتر شمال كييف.
من جانبه، قال الأستاذ الجامعي توني إروين- الذي شغل محطات الطاقة النووية في المملكة المتحدة لمدة ثلاثة عقود، إن فرص حدوث انفجار أو انصهار نووي أو إطلاق إشعاعي منخفضة.
وقال إن مفاعلات PWR "أكثر أماناً" من مفاعلات تشيرنوبيل، ولا يبدو أنها تضررت بعد. وقال إن المفاعلات بها ملوثات خرسانية كبيرة وأنظمة حماية من الحرائق مدمجة.
ويحذر إروين من أن إطلاق صواريخ ضخمة على المفاعلات "ليس فكرة جيدة". لأن ما يخشاه الخبراء هو أن مراكز المفاعل النووي مملوءة بالوقود النووي عالي الإشعاع، وما يزيد المخاطر فداحةً في محطة زابوريجيا، للطاقة النووية أنها تضم عدة أحواض من المياه المفتوحة الواقعة خلف المجمع النووي، والتي يُجرى فيها عمليات تبريد قضبان الوقود المستهلك في المفاعل منذ سنوات. وسقوط أي من القذائف في تلك المواقع سيتسبب في حدوث كوارث إشعاعية.