مدار الساعة - كتبت: نادية ابراهيم القيسي
كلما حل آذار … قُرعت الطبول … دُقت الدفوف .. أُعدت العُدة و جهزت المنصات .. لِتلو الأهازيج طرباً … و فخراً بما حُقق من أجندات … انتصارات … انجازات و كل ما بُدد عبثاً من ميزانيات تحت شعارات تغيير واقع المرأة في كل المجالات. فقد جاء آذار شهر الاحتفال بالمرأة .. فأنت يا سيدتي أنثي لك يومك العالمي … أنت أم رؤوم معطاء لك عيدٌ في التقويم الشرقي يستحق الاحتفاء.
و ما بين هذا و ذاك يبقى قابعاً هناك ذلك الواقع المرير الذي تُضطهد فيه الكثير من الإناث في مجتمعاتنا. فتبقى تلك الوليدة … بنت بريئة في مجتمع ذكوري الانحياز .. فتُقيد باسم العيب .. و تُكبل بالأعراف .. فتُنتزع منها الحقوق واحداً تلو الآخر مع كل المحاذير و المحظورات التي ترافق نشأتها .. تربيتها و نظرات محيطها -الأقرب قبل الأبعد- لها. فلا تنأى عنها ألسنة الغيبة و النميمة … تصيد الأخطاء .. المحاربة الاجتماعية و براثن الاغتراب النفسي ... لتَكْبُرَ مُواجهةً الحياة بأعباءٍ ما لا طاقة لها بها … بين جراحٍ … عقدٍ نفسية و آثار انتهاكات عميقة مما مرت به من معضلات لتبدأ بعدها معارك أخرى و تخوض غمار تحديات أكبر و أكثر.
إن المرأة … هي الأكثر عرضة للعنف بأحد أشكاله -على الأقل- في مرحلة ما من حياتها فتتعرض في بعض المجتمعات للتفرقة في المعاملة و التمييز السلبي ما بين ذكر و أنثى، و عند البعض يتم حرمان المرأة من التعليم أو الميراث و منعها من العمل سواء بالمطلق أو في بعض المجالات و أحيانا يحدث العكس تماماً باجبارها على العمل للحصول على دخل مادي اضافي أو استغلالها كسلعة تسوق سلعة؛ و قد تتعرض أحيانًا للمساومات مقابل أن تحصل على حقوقها المشروعة أو فرص معينة لها في الحياة و العمل؛ و ما قد ينتج عن ذلك كله من عواقب تزعزع ثقة المرأة بنفسها و بمن حولها و تجعلها في حاله من عدم الاستقرار العاطفي مع فقدان الإحساس بالأمان و التخبط حتى مراحل متأخرة من حياتها مما يعيقها من أن تحيا كعضو فاعل سوي في محيطها و مجتمعها.
أما المرأة الزوجة و الأم فهي تتحمل مختلف الأعباء و المسؤوليات التي يعجز عنها الكثير فتكون هي السند الحقيقي للعائلة بأكملها بوجود الرجل أو بغيابه … فإن شاءت الأقدار لأيّن كانت الأسباب و وقع الفراق أو الطلاق .. تبدأ عندها رحلة العذاب من مساومات على حقوقها .. أطفالها و استقرارها المادي و النفسي -إلا من رحم ربي- بالاضافة للوصمة الاجتماعية التي ترافقها معرضة إياها لكل ما يخطر و ما لا يخطر ببال حيث أنها تعتبر عند أغلب العقول المهترئة بأنها أصبحت فرصة سانحة و خطر داهم على غيرها من النساء و تدان أحياناً باعتبارها صائدة ثروات تبحث عن أي ضحية جديدة لها بصورة كبش فداء.
المحزن حقاً في كل هذه الصراعات التي تخوضها الأنثى أنه أحياناً … ( المرأة هي العدو اللدود للمرأة) -بكل أسف- ما بين أم جاهلة قاسية مفرقة بين فلذات أكبادها بعقلية متحجرة، أخوات كأخوة يوسف في الغيرة، رفيقات متلونات بحثا عن مصالحهن العليا و زميلات يبثن السم الزعاف القاتل بالعسل. فبكل مصداقية نعم هذا جزءً من الواقع الذي نعيشه؛ فليس كل النساء بريئات … مظلومات و مضطهدات؛ فمنهن من يتفنن في ايذاء الغير بلا أية أسباب منطقية و منهن من يعشقن لعب دور الضحية الأبدية بالكثير من العويل و البكاء لاظهار الذات بصورة منكسرة … تلذذاً بحصد التعاطف و الاهتمام و البقاء تحت الأضواء مهما كان الثمن و بمختلف أنواع الادعاءات و القرابين من التضحيات.
لا أحد منا يستطيع الانكار بأن هناك الكثير من الإناث يتمتعن بالرفاهية، السعادة و التوازن الشخصي و المجتمعي و أنعم الله عليهن بالحياة الرغيدة كلٌ بمفهومها الخاص؛ فليس كل الحياة سوداوية درامية و دامية؛ و هناك أيضاً العديد من النساء قطعن شوطاً طويلاً شاقاً من الصعوبات و حققن الطموحات و الانجازات ليصبحن أيقونة فخر و اعتزاز و مثال يحتذى به في تمكين المرأة الحقيقي و الواقعي المتجانس مع قيمنا و مبادئنا الممتدة من نهجنا السوي القويم برغم كل المعيقات على كافة المستويات. لكن ما زال هناك غالبية عظمى من النساء ممن يواجهن التحديات … مفارق الطرق و العقبات .. في طريق تعصف به رياح الظلمات و المهاترات … و اختلال العدالة الاجتماعية؛ مما يستنزف المرأة و يزعزع كيانها و يحطم ذاتها على كل الأصعدة.
فعندما يحل آذار … ليكن تذكرة قبل كل شيء أن هناك ما زال الكثير .. يحتاج منا الجهد الوفير الملموس فعلياً لاحداث تغيير في معتقدات، عقليات و توجهات مجتمعات تكتفي بالاحتفاء و الاحتفال بالمرأة قولاً فقط بالشعارات بعيداً عن أية تطبيقات حقيقية على أرض الواقع ينتج عنها حاضرًا و مستقبلًا أفضل للمرأة و المجتمع بأسره. و الله من وراء القصد