أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات وفيات برلمانيات جامعات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مستثمرون مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم
مدار الساعة ـ
قصة وتاريخ “المرآة”

مدار الساعة - يمكن لنا أن نقول إنّ كل البشر تقريباً يستخدمون المرآة يومياً، لكن هل تساءلت يوماً عن أصل هذه المرآة، أو عن أثرها الثقافي والاجتماعي، وكيف أثرت في التاريخ؟

يعود أصل كلمة مرآة في الإنجليزية إلى "Mirror"، وهي مشتقة من اللغة اللاتينية من كلمة "Mirare" وهي تعني "التأمُّل والنظر في شيء"، وقد ارتبطت المرايا بعدَّة أساطير وحضارات قديمة، بل شكلت جزءاً مهماً من تاريخ وثقافات بعض الحضارات.
المرايا في الأساطير والمعتقدات الشعبية
ارتبط تاريخ المرايا بعدة أساطير أشهرها أسطورة نرسيس النرجسي الذي افتُتن بجماله. وقصّة نرسيس أنه رأى ذات مرة انعكاس صورته على ماء البحيرة فاندهش من جمال صورته، ووصل به الحال إلى عشق نفسه ورفض مغادرة البحيرة دون أن يعلم أن ما راه ليس إلا انعكاس صورته، محاولاً طيلة الوقت الإمساك بها ليفارق الحياة وهو ينظر إلى ذلك الوجه الجميل.
ورغم أهمية المرايا في الاستخدام اليومي كان تاريخ اكتشافها مرتبطاً باللعنة أو الخوف، فقد اتفقت بعض الشعوب على ضرورة الحذر منها، في هذا السياق خاف الرومانيون من انعكاس صورهم على المرايا المكسورة، والتي كانت تلقى في الأنهار أو تدفن اعتقاداً منهم بأن الروح تجدد نفسها كل سبع سنوات، وأنّ النظر في إحدى المرايا المكسورة يحبس الروح ولا يجعلها تتجدَّد.
تواصل الخوف من المرايا في الثقافة اليهودية؛ إذ تغطي العائلة جميع المرايا الموجودة في المنزل بعد وفاة أحد أفرادها حتى لا تعكس روح المتوفى وتحتجزها، وقد بدأت هذه العادة في العصر الفيكتوري وما زال بعض اليهود متمسكين بهذه العادة إلى اليوم.
فيما تنتشر معتقدات في بعض المجتمعات الإسلامية تقول إن النظر طويلاً في المرايا لا سيما ليلاً يؤدي إلى الإصابة بعشق الجن وتعطيل الزواج للفتيات.
تاريخ اختراع المرآة في حضارات ما قبل الميلاد
ربما استخدم الإنسان الأول الطبيعة ليرى انعكاس صورته في بِرَك المياه على سبيل المثال، فيما تعود أول قطعة مرآة في التاريخ إلى 6000 ق.م، في منطقة الأناضول (تركيا الحالية) وكانت مصنوعة من حجر السج المصقول وهو من الأحجار البركانية.
عرفت المجتمعات القديمة صناعة المرايا، وتطورت مواد صنعها على مر العصور بدءاً من المرايا الحجرية المصقولة في مناطق أمريكا الوسطى والجنوبية قبل ألفي عام ق.م، ثم إلى مرايا نحاسية في حضارة الرافدين والحضارة الفرعونية وذلك في حدود عام 4000 ق.م، وقد تم اكتشاف لوازم زينة ومرايا نحاسية رقيقة في عدة قبور للمصريين القدامى. فيما استعمل الفينيقيون الزجاج إلى جانب المعدن في صنع المرايا في القرن الأول الميلادي بمدينة صيدا اللبنانية.
اختلفت وظائف المرايا في المجتمعات القديمة وبعيداً عن الغايات التجميلية الأولى، استعملت الحضارة اليونانية القديمة المرايا لغاياتٍ عسكرية تحديداً في القرن الثالث قبل الميلاد. إذ تروي الأسطورة أن العالم اليوناني أرخميدس رائد الهندسة التقليدية استعمل المرايا عسكرياً. فقد عرَّضَ مرايا كبيرة إلى أشعّة الشمس فأحرقت سفن الرومان في عرض البحر والذين كانوا يحاولون غزو اليونان في ذلك الوقت.
وللتعبير عن القوة والمجد أحاط الإمبراطور الفارسي داريوس الكبير الذي حكم عام 500 ق. م غرفة عرشه بالمرايا.
المرايا التي قتلت نبلاء أوروبا بالتسمُّم!
بعد عدة قرون على اكتشافها لم تفقد المرايا قيمتها بل أصبحت صناعة رائجة في أوروبا، إذ صنع الألمان المرايا المُسطَّحة، وفي نهاية القرن السابع عشر قدَّم الإيطاليون نوعاً جديداً من المرايا: المرايا الزجاجية المصنوعة من الرصاص النقيّ ليسهل على أفراد الطبقة الأرستقراطية رؤية مظهرهم كاملاً خاصة بعد انتشار المرايا الطولانية.ولكن بعد وقت تم اكتشاف خطر هذه المرايا التي اقتصر امتلاكها على النبلاء والأغنياء، وذلك بعد تسمم عدد منهم جرّاء استنشاقهم مادة الزئبق، التي كانت تستخدم في تغطية خلفية المرايا، ويؤثر الزئبق على وظائف الجهاز العصبي ويؤدي أحياناً إلى فقدان القدرة على المشي.
وفي سنة 1835 قدم العالم الألماني يوستوس فون ليبيغ، وهو عالم كيميائي وأستاذ جامعي، المرايا في شكلها المعروف اليوم، مضيفاً إليها الطبقة الزجاجية الفضية وتسمَّى بطريقة التفضيض، بعد أن اكتشف يوستوس فون أن المرايا الفخمة التي كانت تزين قصور النبلاء والأغنياء كانت سبباً في التسمم الزئبقي.
ولها تأثيرات نفسية أيضاً
أصبحت المرايا قطع ديكور فخمة تزيِّن أرجاء البيوت والمحلات التجارية ويتنافس المصممون على تقديم أفضل ما لديهم في صناعتها، وهي عنصر أساسي في الحياة الحديثة لدى الجميع تقريباً. ولكنها أيضاً ساهمت بطريقة سلبية في خلق مرض "فوبيا أو رهاب المرايا" والتي تعكس خوف الإنسان من الأفكار التي بداخله وهي من الأمراض النفسية النادرة ويعود هذا الخوف إلى المعتقدات الشعبية السائدة حول الصور المنعكسة على سطح المياه.
وقد حذَّر بعض علماء النفس من النظر مطولا في المرايا حتى لا يصاب المحدِّقين بالأنانية والغرور وذلك بعد أن قام مجموعة من الباحثين في جامعة شيكاغو بتجربة على عشرة أشخاص تم إبعادهم عن المرآة لمدة أسبوع، وتم التوصل إلى أن المرايا تخلق في الإنسان الأنانية من خلال محاولته الدائمة لإخفاء عيوبه وركزت التجربة على أنه من الضروري اكتساب الثقة بالنفس من خلال الاعتماد على الشخصية أكثر من المظهر الخارجي.
مدار الساعة ـ