مدار الساعة - في ظل الحرب والمعارك المشتعلة في أوكرانيا، وتوالي العقوبات المالية من العالم الغربي على روسيا، هناك سلاح آخر قد يُستخدم للضغط على موسكو، وهو عزل روسيا عن نظام سويفت (SWIFT) المصرفي العالمي، الذي يوصف بكونه "قنبلة نووية اقتصادية" من شدة الآثار الاقتصادية التي تصيب الدول المُعاقَبة بالعزل عنه، وبالفعل استبعد الاتحاد الأوروبي 7 بنوك روسية من نظام سويفت حتى الآن، وفي حال استُبعدت روسيا بشكل كامل فإن هذا لن يؤثر على الاقتصاد الروسي فحسب، بل حتى على دول غربية وأوروبية، تتقدمها ألمانيا.
في حقيقة الأمر حاولت روسيا تحضير بدائل في حالة حدوث مثل هذا الأمر منذ العام 2014، إذ ابتكرت روسيا نظاماً مصرفياً خاصاً بها، حاولت أن تجعل منه بديلاً لنظام سويفت، وفي هذا التقرير نلقي نظرة على النظام المصرفي الروسي (SPFS)، لكن دعونا أولاً نتعرف على نظام سويفت العالمي.
نظام سويفت لتحويل الأموال
قبل العام 1973 كان هناك نظام مصرفي يدعى Telex، وكان النظام الوحيد الذي يتيح تحويل الأموال دولياً، إلا أنه كان يعاني من مشاكل كبيرة، وعلى رأسها المخاوف الأمنية؛ إذ يعتمد النظام على كتابة جمل تصف أين ستذهب الحوالة، وإلى أي بنك، ولأي شخص، وذلك بشكل كتابي، وهو ما كان يتسبب في الكثير من الأخطاء البشرية وضياع هذه الحوالات، كما كان ذلك يُعرّض بيانات الأشخاص المالية للخطر في حال وقوعها في اليد الخاطئة.
غير ذلك كان Telex منخفض السرعة ومكلفاً أيضاً، وهو ما جعل 6 بنوك دولية كبرى تسعى لتأسيس نظام لشبكة عالمية، من شأنها نقل الرسائل المالية بطريقة آمنة وفي الوقت المناسب، وهو ما أنتج نظام SWIFT.
كانت البداية في الستينات، حيث عمل اتحاد البنوك الستة من لوكسمبورغ وباريس لتأسيس SWIFT، والذي بدأ استخدامه في 1973 ليضم 239 بنكاً في 15 دولة. بحلول العام 1977، توسعت الشبكة لتشمل 518 مؤسسة من 22 دولة، وفي العام الحالي وفي آخر تحديث عن نظام SWIFT، هناك أكثر من 9 آلاف مؤسسة داخل شبكة SWIFT العالمية من أكثر من 200 دولة، طبقاً لموقع Investopedia الأمريكي المتخصص بعالم المال والاستثمارات.
وعلى الرغم من وجود خدمات رسائل أخرى مثل Fedwire وCHIPS الأمريكيَّين، فإن SWIFT واصلت الاحتفاظ بمكانتها المهيمنة على السوق، إذ أُرسلت حوالي 42 مليون رسالة يومياً عبر الشبكة في عام 2021، وهو ما مثل زيادة بنسبة 11.4% عن عام 2020.
تعمل SWIFT عن طريق تعيين رمز فريد لكل مؤسسة في الشبكة لنقل المعلومات والتعليمات بأمان، من خلال نظام موحد للرموز، لا يحدد فقط اسم البنك، ولكن البلد والمدينة والفرع، يتكون إما من 8 أحرف أو 11 حرفاً، وبهذا النظام تسمح الشبكة بدفع الأفراد والشركات المدفوعات إلكترونياً أو ببطاقة الائتمان، حتى إذا كان العميل أو البائع يستخدم بنكاً مختلفاً عن بنك المرسل له.
كيف تعمل شبكة SWIFT ومَن أعضاؤها؟
لنفترض أن أحد عملاء فرع بنك أمريكا (BAC) في نيويورك يريد إرسال الأموال إلى صديق إيطالي في فرع UniCredit Banca في مدينة البندقية، حينها يمكن لعميل نيويورك الدخول إلى فرع بنك أمريكا باستخدام رقم حساب صديقه ليرسل Bank of America رسالة SWIFT لتحويل الدفع إلى فرع UniCredit Banca عبر شبكة SWIFT الآمنة.
بمجرد أن يتلقى Unicredit Banca رسالة SWIFT حول الدفعة الواردة، سيقوم بتسوية الأموال وإيداعها في حساب الصديق الإيطالي، وبهذا الشكل تعمل شبكة SWIFT. ومن الجدير بالذكر أن نظام SWIFT هو مجرد نظام مراسلة، وهذا يعني أن النظام لا يحتفظ بأي أموال أو أوراق مالية، كما أنه لا يدير حسابات العملاء.
وعلى عكس المعروف لا يُستخدم SWIFT من قبل البنوك فقط، بل من قبل مجموعة واسعة من المؤسسات بجانب المؤسسات البنكية، مثل:
كما يقدم نظام SWIFT العديد من الخدمات الأخرى بجانب رسائل الحوالات البنكية، والتي يأتي على رأسها "خدمات الامتثال"، والتي تستهدف تحليل البيانات المالية للكشف عن الخدمات المتعلقة بالجرائم المالية، وذلك عن طريق تقديم تقارير وأدوات مثل أعرف عميلك (KYC)، والعقوبات، ومكافحة غسل الأموال (AML).
كذلك وفرت SWIFT أنظمة معلومات وأدوات مساعدة لإعداد تقارير تُمكِّن أعضاء وعملاء الشبكة من الحصول على عرض ديناميكي لمراقبة نشاط تدفق الحوالات البنكية والتجارية، والتي تُستخدم لتحليل أسواق الأوراق المالية والمعاملات المالية والتجارية والفوركس، التي تُعد أدوات مهمة في مجال الاستثمار والاقتصاد، كما يدخل الذكاء الاصطناعي في خدمات SWIFT، وهو ما يعزز هيمنتها عالمياً.
حسناً، لماذا حظر روسيا من نظام سويفت أمر خطير؟
أخبر رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون أعضاء البرلمان أن ذلك سيضر بالاقتصاد الروسي إذا استُبعدت روسيا عن نظام Swift، والتي يتحتم عليها عندئذ توجيه معاملاتها البنكية من خلال أنظمة بديلة لـSwift، ما يُكبّد روسيا خسائر مالية طائلة، ويجعلها غير قادرة على التعامل مع الكثير من الدول والبنوك التي تتعامل بنظام Swift.
بهذا الصدد صرّح رئيس بنك VTB -أحد أكبر البنوك الروسية- أنه يمكنه استخدام قنوات أخرى للمدفوعات مثل الهواتف وتطبيقات المراسلة أو البريد الإلكتروني، وأضاف أنه يمكن للبنوك الروسية أيضاً توجيه المدفوعات عبر البلدان التي تحظى معها بعلاقات استراتيجية، مثل الصين، التي أنشأت نظام مدفوعات خاصاً بها أيضاً لمنافسة Swift.
وقال إن فرض حظر على روسيا من نظام Swift قد يؤدي إلى تسريع استخدام نظام Cips الصيني المنافس، كما يعتقد رئيس البنك الروسي أن هناك خوفاً عالمياً من أن يؤدي حظر روسيا إلى الإضرار بوضع الدولار الأمريكي كعملة احتياط عالمية، والتي قد تُسرِّع استخدام البدائل مثل العملات المشفرة، وهذا نقلاً عن صحيفة The Guardian البريطانية.
في حين أعربت إدارة بايدن في السابق عن شعورها بالقلق من أن الحظر قد يضر بمصالح حلفائها بقدر ما يضر بالاقتصاد الروسي، إذ إن روسيا تُعد مشترياً كبيراً للبضائع الأوروبية، خاصة هولندا وألمانيا. كما أن روسيا هي المورّد الرئيسي للاتحاد الأوروبي للنفط الخام والغاز الطبيعي والوقود الأحفوري الصلب، والتي قد تجعل الدول الأوروبية تواجه صعوبة في العثور على موردين بديلين.
أما عن تجارب حظر دول من نظام Swift في الماضي، فكثيراً ما رفض القائمون على نظام Swift الدعوات لفرض حظر على أي دول، واصفين أنفسهم بأنهم نظام محايد لا يمكن استخدامه في تصفية الحسابات السياسية دولياً، لكن في العام 2012 منع الاتحاد الأوروبي Swift من خدمة الشركات والأفراد الإيرانيين الخاضعين لعقوبات، فيما يتعلق ببرنامج طهران النووي، ما شكّل سابقة كانت الأولى من نوعها.
إذاً، ما هو النظام المالي الروسي SPFS؟
وفقاً لبنك روسيا، يشكل نظام المراسلة المالية الروسية (SPFS) قناةً بديلة لـSWIFT، والذي يُستخدم لإرسال الرسائل المالية داخل روسيا، وترتبط مؤسسات الائتمان وعملاؤها من الشركات بـSPFS بالتعاقد مع بنك روسيا.
تأسس نظام SPFS الروسي في العام 2014، من قبل البنك المركزي الروسي، بعد أن هددت حكومة الولايات المتحدة بفصل روسيا عن نظام SWIFT، إثر احتلالها لشبه جزيرة القرم الأوكرانية، فيما نُفِّذت أول معاملة باستخدام الشبكة، في ديسمبر/كانون الأول بالعام 2017، وفي 2018 ضمت الشبكة أكثر من 400 مؤسسة روسية، معظمها من البنوك.
كما سعت الحكومة الروسية لتوسيع شبكة SPFS لتشمل البلدان النامية مثل تركيا وإيران، ومنذ العام 2019 انتقلت روسيا من ضم المؤسسات الروسية إلى النظام لتنتقل إلى مرحلة جديدة، تستهدف ضم مؤسسات من خارج روسيا، ونمو النظام عالمياً، ولهذا نجحت روسيا في توقيع العديد من الاتفاقيات لربط نظامها بأنظمة دفع في دول أخرى مثل الصين والهند وإيران، وكذلك دول الاتحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي (EAEU)، الذي يضم أرمينيا، وبيلاروسيا، وكازاخستان، وقيرغيزستان.
وفي نهاية العام 2020، شملت الشبكة الروسية 23 بنكاً أجنبياً من ألمانيا وسويسرا وأرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان، كما كان من طموحات روسيا ضم أوكرانيا تدريجياً إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وفقاً لما ذكره الموقع الروسي المعني بالأسواق المالية والاستشارات التجارية Russia-Briefing.
ويجادل موقع Cyberft -الذي يوفر نظاماً مصرفياً متطوراً مثل SWIFT- أن سبب عدم نجاح نظام SPFS وقلة انتشاره -بالمقارنة مع نظام SWIFT- هو بسبب التعقيد الذي يواجهه مستخدمو هذا النظام، والتكاليف المرتفعة لإجراءات الانضمام إليه.
"لسوء الحظ، وبسبب الإجراءات الأمنية المتزايدة، إذ إن هذا النظام منافس لنظام SWIFT الغربي، يتعين على البنوك التي تتبادل المعلومات عبر شبكة SPFS أن تتحمل تكاليف مالية كبيرة، بجانب الوقت الكبير الذي يحتاجون إليه لإتمام تعاملاتهم، بالمقارنة بـSWIFT"- موقع Cyberft.
كما يحتاج أعضاء شبكة SPFS إلى عمليات تشفير إضافية لحماية معاملاتهم البنكية والبيانات الحساسة التي توجد عند تلك المؤسسات، وهو ما يزيد الفاتورة المالية على هذه المؤسسات عند استخدام نظام SPFS.
وتوضح Cyberft أنه عند الانضمام إلى نظام SPFS، يصبح على الأعضاء الامتثال للتوصيات الأمنية، ليس فقط لبنك روسيا، ولكن أيضاً لتوصيات وزارة الشؤون الداخلية في الاتحاد الروسي، ما يشكل عبئاً، وتوصي Cyberft في حالة وجود أدنى شك في مستوى أمان تكنولوجيا المعلومات للطرف المقابل، "فلا يجب إرسال المعلومات ووثائق الدفع عبر SPFS تماماً".
في أبريل/نيسان 2021، صرح ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، أن روسيا تسعى لتأسيس نظام مالي عالمي بديل لنظام SWIFT، "في حال ازدادت القيود من قبل خصوم موسكو"، وأضاف: "نحن في عالم متطور، ويمكن إيجاد بدائل لـSWIFT بسرعة كبيرة".
وأكد بيسكوف أن نسبة التعامل بالدولار الأمريكي داخل روسيا تقل من عام إلى آخر، ويرى أن دول العالم ستتخلى عن الدولار الأمريكي في عمليات تداولها عندما تشعر بعدم استقرار تلك العملة، والذي قد يحدث عند عزل روسيا عن نظام SWIFT.
فيما صرّح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بأن روسيا لديها القدرة على إنشاء نظام مالي عالمي بديل لـSWIFT، بالسعي قدماً للاستقلال الشامل لنظام SPFS والعمل على تقويته، بحيث لا يستطيع أعداء روسيا إلحاق الضرر به.
وبالنظر إلى الأحداث القائمة في أوكرانيا، والعقوبات المالية التي تلاحق الدب الروسي في الوقت الحالي -التي يُعتقد أنها ستستمر طويلاً- وعلى رأسها التلويح بحظر روسيا من نظام SWIFT، فإن هذا يعني زيادة اعتماد روسيا على بدائل SWIFT، خاصة النظام الروسي SPFS، وهو ما يعني مولد نظام مالي عالمي موازٍ، وعالم متعدد الأقطاب قد يشهد بزوغ "محور" عالمي بديل للنظام الحالي القائم.