.... كم تكلفة تغطية قناة الجزيرة للأحداث في أوكرانيا؟.. أنا لا أعرف ولكني متأكد أنها أعلى من ميزانية وزارة الثقافة, متأكد أن تكلفة التغطية ليومين فقط.. قد تعادل ميزانية الوزارة لعام.. ومتأكد أيضا، أن المراسلين الذين يجوبون أوكرانيا الآن.. ويعيشون تحت القصف لديهم من الوعي والخبرة والفهم السياسي.. على الأقل أكثر بكثير من وعينا وفهمنا لما يحدث..
العالم يتغير.. (130) ألف لاجئ في يوم واحد, تدمير للبنى التحتية, انقلابات اقتصادية.. تشكل لمحاور جديدة، عقيدة عسكرية مختلفة... واندحار لأوروبا، وعرق يتصبب من وجه التاريخ.. ودولة يتم احتلالها, والمشكلة أن الإذاعات الصباحية لدينا... ما زالت تتحدث عن (إبر الأنسولين).. والدوار الذي لم تصلحه أمانة عمان, والإشارات الضوئية المعطلة.. ونوع حليب نادر للطفلة (جود).. وتصابي مذيعات, أحببن جديد عمرو ذياب..
الأزمة الأوكرانية جعلتنا نشعر بأننا نعيش خارج العالم, نظرة واحدة للمواقع الإخبارية وساعة استماع على الإذاعات تجعلك تشعر كم نحن مختلفون عن هذا العالم.. فما يشغلنا الان هل المرأة تحتاج لأجر على رعايتها أولادها أم لا؟ وهل المناسف في بيوت العزاء ضرورة أم لا.. وتخيلوا أني قرأت خبرا يتحدث عن عيد ميلاد وزيرة متقاعدة دخلت ال (78) من عمرها.. وعن رئيس وزراء سابق، ميزته أنه طيب القلب.. وقرأت خبرا اخر في المواقع اليوم يقول: ان وزيرا قرر ترك التدخين..
بالطبع لا أحد يجرؤ أن يناقش الأزمة الأوكرانية, بالمقابل تجرؤ (البي بي سي).. لأنها إعلام يقوم على الوعي, وتمتلك أرشيفا هائلا عن أوروبا.. وتجرؤ (مونت كارلو) على ذلك لأنها تشعر أن قيم الثورة الفرنسية باتت من الماضي.. وقيم الحرب والاحتلال صارت هي الطاغية.
وثمة بعض التعليقات على (أبو جوليا)، وهو شاب يعيش في بريطانيا, ويجيد طبخ المنسف والمسخن, ومن يتابعونه من عمان كثر.. صدقوني أن طبخات أبو جوليا يتم تداولها على صفحات التواصل أكثر من تداول.. مشاكلنا وهمومنا.. ولا أنسى أن نائبا افتتح مقهى, ويتحدث بفخر عن حجم الزبائن..
قطر دولة بعيدة عن الصراع, وصغيرة جدا.. ولكنها وفرت لقناة الجزيرة المليارات, ليس لأجل نقل أخبار العالم, ولكن لكي تنتج حضورا لنفسها في المشهد عبر هذه الذراع... وأظن أن الياس كرام.. مراسل الجزيرة الان يعتبر أهم من كل السفراء العرب, ومن كل الدبلوماسية العربية.. وحتى المواقف، قد لا نستطيع أن نكون مثل قطر.. لكننا للان لم نجرؤ أن نؤسس موقفا لدى شبابنا من الأزمة, لأنهم بصراحة لا يعرفون ما يحدث ولا يدرون انعكاساته كيف ستكون علينا وعلى العالم.. وجهلهم بالأمر مرده, غياب الوعي عن مؤسسات الإعلام لدينا... فهم يشاهدون (أبو جوليا).. ولا يكلفون أنفسهم بقراءة لمحة عن تاريخ الصراع عبر (جوجل).. هم يستمعون لإذاعات (المياصة).. ويهتمون بانتاج عمرو ذياب, وكم خسرت هيفاء من وزنها.. ومن زوج أليسا القادم...
Abdelhadi18@yahoo.com
الرأي