مدار الساعة - قد لا تكون الأطعمة المخمرة مثل المخللات والزبادي والزيتون أول الأمثلة التي تخطر ببالك عندما تفكر في الأطعمة الصحية، لكن مجموعة متزايدة من الأبحاث تظهر أن اتباع نظام غذائي يتضمن تناولاً منتظماً للأطعمة المخمرة يمكن أن يحقق فوائد ذات قيمة للجسم.
الأطعمة المخمرة عملية استخدمها القدماء لزيادة مدة الصلاحية
يتم حفظ الأطعمة المخمرة باستخدام عملية قديمة لا تزيد من مدة صلاحية الطعام وقيمته الغذائية فحسب، بل يمكن أن تمنح جسمك جرعة من البروبيوتيك الصحي، الكائنات الحية الدقيقة الضرورية لعملية الهضم الجيد.
ويقول الدكتور ديفيد إس لودفيج، أستاذ التغذية في للصحة العامة في الولايات المتحدة الأمريكية: "إن الجهاز الهضمي يعج بنحو 100 تريليون بكتيريا وكائنات دقيقة أخرى، كما أن وجود ميكروبيوم معوي متنوع وصحي في المجسم يلعب دوراً في ضبط جهاز المناعة ودرء الالتهابات الضارة داخل الجسم، والتي قد تؤدي إلى حالات تتراوح من السمنة والسكري إلى الأمراض التنكسية العصبية".
وأضاف لودفيج، وفقاً لما ذكره موقع كلية هارفارد: "معظم المجتمعات في جميع أنحاء العالم وطوال الوقت قد أدرجت الأطعمة المخمرة كجزء من نظامها الغذائي، في المناخات الشمالية الباردة، سمحت الأطعمة المخمرة للناس بتناول الخضار طوال أشهر الشتاء الطويلة عندما لا تكون متاحة لولا ذلك".
وتابع: "يعدّ التخمير أحد أقدم أشكال حفظ الطعام، ويمكن أن يطيل من قابلية استخدام الطعام لأشهر، على سبيل المثال، إذا وضعت الملفوف على الرف لبضعة أسابيع، فسوف يفسد، ولكن إذا قمت بتخميرها إلى مخلل الملفوف، فسوف تستمر لأشهر، إنه نفس المفهوم مع منتجات الألبان والبروتينات المخمرة".
الأطعمة المخمرة تغير تكوين مليارات البكتيريا في أمعائنا
واكتشف العلماء، وفقاً لما ذكرته صحيفة The New York Times الأمريكية، أن الأطعمة المخمرة قد تكون لها تأثيرات مثيرة للاهتمام على أمعائنا، وقد يؤدي تناول تلك الأطعمة إلى تغيير تكوين مليارات البكتيريا والفيروسات والفطريات التي تعيش في أمعائنا، والمعروفة بـ "ميكروبات الأمعاء".
وقد تؤدي أيضاً انخفض مستويات الالتهاب على مستوى الجسم، التي يربطها العلماء بمجموعة من الأمراض المرتبطة بالشيخوخة.
تأثير الأطعمة المخمرة على الأمعاء وجهاز المناعة
جاءت النتائج الأخيرة من دراسة منشورة في مجلة Cell العلمية أجراها باحثون من جامعة ستانفورد في منتصف العام 2021، أراد من خلالها رؤية تأثير الأطعمة المخمرة على الأمعاء وجهاز المناعة، ومقارنته بتأثير تناول الأطعمة الصحية نسبياً من الفواكه والخضروات والبقوليات والحبوب الكاملة وغيرهم من الأطعمة الغنية بالألياف.
لأغراض الدراسة، استعان الباحثون بـ36 متطوعاً بالغاً يتمتعون بصحة جيدة وقسموهم عشوائياً إلى مجموعتين؛ مجموعة تكثر من تناول الأطعمة النباتية الغنية بالألياف، ومجموعة أخرى تبدأ بعدم تناول الأطعمة المخمرة ومن ثم تنتقل لتتناول الكثير منها مثل الزبادي والخضراوات المخللة وبعض الأطعمة المخمرة من الثقافات الأخرى مثل الكيمتشي والكومبوتشا.
التزم المشاركون بالأنظمة الغذائية المحددة لهم لمدة 10 أسابيع مع متابعة الباحثين لعلامات الالتهاب في الدم والبحث عن تغييرات في ميكروبات الأمعاء.
وخلال الدراسة ضاعفت المجموعة الأولى مقدار ما تتناوله من ألياف، من حوالي 22 غراماً يومياً إلى 45 غراماً يومياً، وهو ما يبلغ حوالي 3 أضعاف مقدار ما يتناوله المواطن في المتوسط.
بينما وانتقلت المجموعة الثانية من عدم تناول أي أطعمة مخمرة تقريباً إلى تناول حوالي 6 حصص يومياً.
وبعد انتهاء 10 أسابيع، لم يظهر على أي من المجموعتين تغييرات كبيرة في قياسات المناعة بشكل عام.
لكن ظهرت على مجموعة الأطعمة المخمرة انخفاضاً ملحوظاً في 19 مركباً مسؤولاً عن الالتهابات، من بينها إنترلوكين 6، البروتين المرتبط بالالتهاب والذي ترتفع مستوياته في أمراض مثل السكري من النوع الثاني والتهاب المفاصل الروماتويدي.
وفي مجموعة الأطعمة الغنية بالألياف، لم يظهر أي انخفاض في مستويات نفس المركبات المسؤولة عن الالتهابات.
ظهور ميكروبات جديدة في الأمعاء بسبب الأطعمة المخمرة
واكتشف الباحثون أن زيادة مقدار الأطعمة المخمرة التي يتناولها الفرد تؤدي إلى زيادة عدد فصائل الميكروبات التي تظهر وتعيش في أمعائه.
لكن المثير للدهشة أن حوالي 5% فقط من الميكروبات الجديدة التي ظهرت في الأمعاء جاءت بشكل مباشر من الأطعمة المخمرة التي تناولها أفراد المجموعة.
من جهته يقول الطبيب المتخصص في دراسة بكتيريا الأمعاء جايل كريشي لموقع Cleveland Clinic الطبي: "إن النظام الغذائي الغربي الحديث المليء بالأطعمة المُصنعة يمكن أن يخل بتوازن الميكروبات المعوية، مما قد يؤدي إلى أعراض معدية معوية مزعجة، في حين أنّ هناك العديد من الأسباب التي تجعل من الأطعمة المخمرة مفيدة لصحتك".
ويلخص الطبيب كريشي تلك الفوائد بما يلي:
1 – لا يمكنك هضم الطعام بمفردك
تساعد البكتيريا الجيدة في تكسير الكربوهيدرات المعقدة التي تتناولها، فينتج عن عملية التخمير والاستقلاب هذه مواد أخرى مفيدة لجسمك أيضاً.
للحصول على بكتيريا الأمعاء المتنوعة، تحتاج إلى الكثير من الألياف القابلة للذوبان من الأطعمة مثل الفول والشوفان والبرتقال، تعتبر الألياف غير القابلة للذوبان، والموجودة في العديد من الحبوب الكاملة، مفيدة لك، ولكن ليس من السهل تخميرها، لذا فهي لا تساهم حقاً في تنوع بكتيريا الأمعاء.
2 – البكتيريا الجيدة تحارب السيئة وتنتصر
كل يوم، نبتلع البكتيريا المسببة للأمراض، ومع ذلك، لا نمرض دائماً، لأن الميكروسكوبات الصغيرة تعتني بك.
تخلق البكتيريا الجيدة منتجات ثانوية للتخمير الحمضي تقلل من درجة حموضة الأمعاء، مما يقلل من فرصة بقاء البكتيريا السيئة على قيد الحياة.
كما أنهم يتنافسون على الإمدادات الغذائية على البطانة المعوية، بالإضافة إلى أنها تفرز البروتينات المضادة للميكروبات التي تقتل البكتيريا السيئة.
3 – يحتاج جسمك للمساعدة في صنع فيتامينات معينة
يجب أن نشكر البكتيريا الجيدة على تصنيع أو إنتاج العديد من الفيتامينات التي يحتاجها جسمك، وتتضمن هذه القائمة الفيتامينات B1 و B2 و B3 و B5 و B6 و B12 و K.
4 – الجسم السليم يحتاج إلى التوازن
البكتيريا الصغيرة في الأمعاء لها تأثيرات على الجسم بالكامل، إذ إنّ الميكروبات المعوية الأقل تنوعاً مُرتبطة بالعديد من الأمراض المزمنة، مثل السمنة والربو والحالات الالتهابية المزمنة مثل مرض التهاب الأمعاء، وبالتالي فإن تنوع هذه الميكروبات يساعد في الوقاية من هذه الأمراض.
5 – تساعد في استعادة صحة الأمعاء بعد تناول المضادات الحيوية
هل أصبت من قبل بالإسهال أو مشاكل أخرى في الجهاز الهضمي بعد تناول المضادات الحيوية؟
هذا لأن تلك المضادات تقضي على البكتيريا الجيدة والسيئة، وبالتالي فإن تناول الأطعمة المخمرة يساعد في إعادة بكتيريا الأمعاء إلى طبيعتها.