مدار الساعة - قد يتسبب الهجوم الروسي على أوكرانيا في ارتفاعات قياسية لأسعار النفط فوق 120 دولاراً للبرميل، والأمر متوقف على عدد من العوامل، منها مدة الحرب والاتفاق النووي الإيراني، لكن السعودية تعتبر العنصر الحاسم.
كانت أسعار النفط قد تخطت حاجز 100 دولار للبرميل مع الإعلان عن بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا الخميس 24 فبراير/شباط، للمرة الأولى منذ 7 سنوات، ومع دخول الحرب يومها الرابع والضبابية المحيطة بمسارها والمدى الزمني الذي قد تستغرقه، تعاني أسواق الطاقة من توتر شديد يؤثر على الأسعار.
ونشر موقع Middle East Eye البريطاني تقريراً عنوانه "الهجوم الروسي: كل الأنظار تتجه صوب أوبك وسط ارتفاع أسعار النفط"، رصد تداعيات الحرب على أسواق الطاقة (النفط والغاز) واحتمالات قدرة الدول المنتجة للبترول في منظمة أوبك بقيادة السعودية على السيطرة على الأسعار.
إذ كان الهجوم الروسي على أوكرانيا قد أدى إلى ارتفاعٍ في أسعار الطاقة العالمية، مع تطلُّع أوروبا صوب دول الخليج -خاصةً الأعضاء في أوبك- لسدّ أي عجزٍ محتمل في حال قررت موسكو وقف إمداداتها أو في حال تعطّلت الإمدادات لأي سبب.
ما احتمالات ارتفاع أسعار النفط؟
وقال محللو الطاقة لموقع Middle East Eye، إن سعر برميل النفط قد يصل إلى نحو 120 دولاراً بحسب الاتجاهات الحالية، أي أعلى بـ15 دولاراً تقريباً من سعره الآن، مما سيضع عبئاً كبيراً على كاهل العديد من الدول التي تترنّح بالفعل من تأثير جائحة كوفيد-19.
وصرّح بين كاهيل، الزميل البارز في مؤسسة Centre for Strategic and International Studies البحثية، للموقع البريطاني بأن جميع الأنظار تُركّز بالكامل على أوبك، خاصةً السعودية والإمارات، لأنهما يمتلكان أكبر طاقات الإنتاج الاحتياطية في المنظمة، أي حجم الإنتاج الإضافي الذي يمكن تجهيزه في غضون شهر والحفاظ عليه لـ90 يوماً على الأقل.
ومن المقرر أن تجتمع المنظمة مع حلفائها بقيادة روسيا (أوبك+) في الأسبوع المقبل؛ لتحديد معدلات الإنتاج في شهر أبريل/نيسان. ويُذكر أنهم اتفقوا مطلع الشهر الجاري، على زيادةٍ بسيطة للإنتاج في مارس/آذار تُقدّر بـ400 ألف برميل يومياً.
كما من المقرر أن تُنتج بعض دول المنظمة، مثل السعودية والإمارات والعراق والكويت وروسيا، حصصاً أكبر بدايةً من مايو/أيار، لكن الدول الغربية تتطلّع إلى زيادةٍ فورية في الإنتاج؛ للحفاظ على استقرار الأسواق.
لماذا لا تريد السعودية ضخّ مزيد من النفط؟
تضخ ثالث أكبر الدول المصدّرة للنفط في العالم، السعودية، حالياً نحو 10 ملايين برميل يومياً. لكن لديها القدرة على إنتاج ما يُقارب 12 مليون برميل يومياً.
وقال ديفيد غولدوين، مبعوث الطاقة الخاص للخارجية الأمريكية في إدارة أوباما، للموقع البريطاني، إن السعودية والإمارات والكويت لديها طاقة احتياطية تُقارب خمسة ملايين برميل يومياً. وقد حان الوقت لتقوم تلك الدول بضخ "مزيد من البراميل إلى السوق".
لكن الرياض لم تُظهر أي اهتمامٍ بزيادة إنتاج النفط حتى الآن، بينما تُعتبر حالياً طرفاً مُهماً إلى جوار روسيا في تحالف "أوبك+" الذي تحكَّم في الإنتاج بصرامة لدعم الأسعار في السنوات الأخيرة. وأوضح كاهيل للموقع البريطاني قائلاً: "السعوديون والإماراتيون مترددين في زيادة حصصهما، لأنهم يريدون الحفاظ على لُحمة وتماسك أوبك+".
ومع ذلك فإن القرار مرتبطٌ أيضاً بعلاقة السعودية المزدهرة مع موسكو، والتي ارتفعت منذ أن صار ولي العهد محمد بن سلمان، حاكماً فعلياً للمملكة. وتمخّضت تلك العلاقة عن انضمام روسيا إلى "أوبك+"، إلى جانب اتفاقيات التعاون العسكري الأخيرة والاجتماعات رفيعة المستوى بين موسكو والرياض.
أرامكو
ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان – رويترز
وعلى الجانب المقابل، امتنع الرئيس الأمريكي جو بايدن عن لقاء بن سلمان، وأصدر تقريراً استخباراتياً يقول إن الولايات المتحدة على قناعةٍ بأنّ ولي العهد هو المسؤول عن مقتل الصحفي جمال خاشقجي.
إذ قالت أمينة بكر، مراسلة أوبك في Energy Intelligence، عبر إحدى مساحات موقع تويتر، يوم الجمعة 25 فبراير/شباط: "لا تريد السعودية أن تكون في موقفٍ يتعيّن عليها معه الاختيار بين الحلفاء، حيث إن لديها علاقة مع روسيا وعلاقة مع الولايات المتحدة. والسياسة النفطية تعتمد على الأساسيات في الواقع، وهم لا يرون هنا أنهم بحاجةٍ لزيادة الإمدادات".
ويمكن تفسير الموقف السعودي من مسألة زيادة الإنتاج، في إطار موقفين لافتين بالعامين الأخيرين؛ الأول في مارس/آذار من عام 2020 عندما أرادت الرياض مواصلة تخفيض الإنتاج ورفضت موسكو، فأدى ذلك إلى اشتعال حرب أسعار بين الجانبين أطاحت بسعر البرميل إلى ما دون الصفر، قبل أن يتفق الطرفان.
والموقف الآخر خلال الصيف الماضي، عندما أرادت الإمارات أن يتم رفع سقف الإنتاج المتفق عليه داخل "أوبك+"، ورفضت السعودية، وهو ما أدى إلى خلاف علني نادر بين أبوظبي والرياض.
هل سينقذ الاتفاق النووي الإيراني الموقف؟
بينما تُحكم "أوبك+" سيطرتها على إنتاج النفط؛ يرى كاهيل أن احتمالية توقيع اتفاقٍ نووي بين إيران والقوى العالمية في الأسبوع أو الأسبوعين المقبلين قد تُؤدي إلى انخفاض أسعار النفط.
وأوضح: "لا يعرف أحدٌ مدى السرعة التي يمكن لإيران زيادة الإنتاج والصادرات بها في حال رفع العقوبات، ولكن من المحتمل أن يرتفع الإنتاج بما يتراوح بين 500 ومليون برميل يومياً في غضون ستة أشهر".
وأشار كاهيل إلى أن إيران لديها كذلك 100 مليون برميل من الخام ومتكثف الغاز الطبيعي في حالة التخزين العائم على متن ناقلات النفط، وذلك بحسب تقديرات شركة Kpler للتحليلات. وسوف يساعدها ذلك على الوصول إلى الأسواق العالمية سريعاً في حال إتمام الاتفاق.
وقال أوليفر جون، الباحث غير المقيم في Middle East Institute: "ستؤدي عودة إيران لأسواق النفط في الوضع الحالي إلى تخفيف قلَّة الإمدادات، لكن سرعة زيادتهم للإنتاج تظل محل تساؤلات على ما يبدو".
ويمكن أن يخفض النفط الإيراني الأسعار بنحو 10 دولارات للبرميل بحسب غولدوين، لكنه أوضح أن المفاوضات النووية لن تتأثر على الأرجح بالأزمة الأوكرانية الراهنة، حيث قال للموقع البريطاني: "لا أعتقد أن الولايات المتحدة ستقدم أي تنازلات استراتيجية كبرى للحصول على تلك الإمدادات".
دول الشرق الأوسط تتحمل العبء الأكبر لارتفاع الأسعار
ربما يكون الصراع في أوكرانيا نعمةً وليس نقمة على الدول الخليجية الكبرى المصدّرة للنفط، لكن دولاً أخرى في المنطقة تستعد لضرباتٍ كبرى ستُصيب اقتصاداتها في حال استمرار ارتفاع الأسعار. إذ قالت تونس بالفعل إن ارتفاع أسعار النفط سيكون له "تأثيرٌ كبير على المالية العامة".
وكانت الدولة الشمال إفريقية، التي تدعم أسعار الوقود المحلية، تحاول بالفعل الحصول على حزمة إنقاذٍ أجنبية؛ لتجنب أزمةٍ وشيكة في ماليتها العامة. لكن الأزمة الأوكرانية اندلعت وأدت إلى زيادةٍ كبيرة في أسعار النفط العالمية خلال الأسبوع.
أما سوريا التي مزقتها الحرب، فقد أعلنت حكومة بشار الأسد، الأسبوع الجاري، أنها ستخفض نفقاتها، بسبب المخاوف من ارتفاع أسعار القمح والنفط بشكلٍ حاد.
وقال غولدوين إن السماح للأسعار بهذا الارتفاع الجنوني سوف "يُلحق ضرراً كبيراً بأسواق أوبك المستقبلية"، التي تتضمن دول العالم النامي وآسيا.
"إذا لم تُفرج أوبك عن طاقتها الاحتياطية الآن، فسيؤثر هذا الأمر بشدة على القناعة بكون المنظمة مورداً يُعتمد عليه. ولا يعتمد الأمر على تقديم الولايات المتحدة تنازلات حتى تصبح السعودية مورداً عالمياً مسؤولاً؛ بل يجب أن تتصرف السعودية كمورد عالمي مسؤول لسوقٍ يأملون أن يستمروا في إمداده بالنفط لعقود قادمة".
كانت أسعار النفط قد تخطت 140 دولاراً للبرميل في صيف عام 2008، على خلفية أزمات سياسية متعددة ضربت العالم أيضاً في ذلك الوقت، كان أبرزها الحرب في جورجيا وكانت روسيا أيضاً طرفاً في تلك الحرب، وشهد ذلك العام قرب نهايته الأزمة المالية العالمية التي بدأت بانهيار البنوك وامتدت إلى أغلب القطاعات الاقتصادية. لكن العالم هذه الأيام ما زال يعاني من تداعيات جائحة كورونا، وبالتالي فإن ارتفاع أسعار النفط يزيد من وطأة التضخم العالمي، بحسب خبراء الاقتصاد.
عربي بوست