هو عام الإصلاح الشامل كما أشرنا سابقا، وها هو مساره الثالث، الاقتصادي، ينطلق بانعقاد ورشة العمل الاقتصادية الوطنية اليوم السبت، تحت عنوان “الانطلاق نحو المستقبل: تحرير الإمكانيات لتحديث الاقتصاد”. ولعل في عنوان الورشة ذاتها يكمن سر النجاح. فنحن فعلا بأمس الحاجة لتحرير كل إمكانياتنا الاقتصادية، وهي كثيرة، إذا ما أردنا حقيقة الولوج في إصلاح اقتصادي يؤتي ثماره مستقبلا أفضل للجميع في مختلف مناحي الحياة.
وهذا يقودنا إلى عدد من الأمور التي لا بد من تسليط الضوء عليها، والمشاركون يجتمعون لمناقشة خريطة طريق الإصلاح الاقتصادي، والتي يجب أن تكون، كما تطلع جلالة الملك عبدالله الثاني خلال لقائه نخبة من الشخصيات الاقتصادية الوطنية مؤخرا، أن “تترجم إلى خطط عمل عابرة للحكومات”.
لا بد من نهاية للممارسات السابقة حين كانت كل حكومة جديدة تأتي لتضع ما قامت به من سبقتها على الرف، وأن تبدأ من جديد. ففي ذلك مضيعة للوقت والجهد، والأهم خسارة لا يدفع ثمنها إلا المواطن والوطن. لا بد من تعزيز ثقافة العمل المؤسسي التراكمي نهجا في عمل الحكومات، بحيث تبني كل حكومة على ما قامت به من سبقتها، مع تعديل ما يجب تعديله من تفاصيل، والمسيرة تمضي، خدمة للصالح العام لا غير.
وإن كان هذا هو النهج، فلا بد لمعالم الإصلاح الاقتصادي أن تركز على هدف أساسي وهو تعزيز نسب النمو بناء على الميزات التنافسية الحقيقية للأردن. ومن ذلك، مثلا، الاستثمار أكثر في قطاع التعدين، لما له من مستقبل واعد. ولنا أمثلة واضحة وصريحة فيما حققته شركة البوتاس العربية خلال العام 2021 من أرباح صافية، بمقدار 217 مليون دينار، وهي الأعلى منذ عشر سنوات، وشركة مناجم الفوسفات الأردنية، وهي أكثر من 335 مليون دينار، بأعلى كميات إنتاج للفوسفات منذ تأسيس الشركة.
إن تعزيز نسب النمو، بناء على الميزات التنافسية للأردن وتحويلها إلى فرص استثمارية حقيقية تجذب رؤوس الأموال، هو المدخل الحقيقي لمحاربة البطالة، التي تفتك بمستقبل شبابنا، والتي وصلت بينهم، وفق العديد من المصادر، إلى 50 بالمئة. وهذا رقم ليس من السهل تخفيضه، لكنه ليس بالمستحيل إذا ما تضافرت الجهود لتحقيق الإصلاح الاقتصادي الذي يبني على ما سبقه من سياسي وإداري، مؤمنين أن قيادة الوطن تدعم بكل قوة عجلة الإصلاح بمختلف مساراتها، وهو ما تجلى في قول جلالته، خلال لقائه عددا من ممثلي وسائل الإعلام الأسبوع الماضي: “إن مسؤوليتي أن أوجه المؤسسات وأراقب تنفيذها للإصلاحات المنشودة دون تراجع”.
والأمر لا يقف عند التعدين، بل يجب علينا التفكير خارج الصندوق في فرص استثمارية تتواكب مع متطلبات العصر الحديث. فهناك قطاع السياحة والخدمات المساندة لها، وهي نفط الأردن، لما يزخر به من أماكن سياحية وتاريخية عز نظيرها، ومن أجواء ملائمة لتوافد السواح على مدار العام. وهناك قطاع تكنولوجيا العالم الافتراضي والتعامل الرقمي والاستثمار في المحتوى، ولنا في النجاح الباهر لمجموعة موضوع، باعتبارها صاحبة الموقع الأول على مستوى المحتوى العربي، بمشاهدات بمئات الملايين يوميا، نموذجا بأن النجاح ممكن إذا ما توافرت الإرادة والبيئة الحاضنة والداعمة لذلك، والأهم ثقافة العمل والإنجاز.
هذه مجرد إضاءات تؤكد أن الإصلاح الاقتصادي سينجح إذا ما عملنا سويا وفق رؤية واستراتيجية نجتمع عليها، والأهم الإرادة لتنفيذ الإصلاح الاقتصادي عبر خطط تنفيذية بسقوف زمنية وأدوات قياس محددة.
ولعل كل ما تقدم هو الرد الأمثل على كل من يستهدف الأردن بين الحين والآخر، عبر بوابات الإعلام الضال والمضلل وحملات تشويه الحقائق والمؤامرات الخبيثة، وغيرها. ولنتذكر جميعا أن وطنا بعمر الأردن المديد، وهو يدخل مئويته الثانية بكل قوة ومنعة، بحكمة قيادته وشجاعة مواقفها وأصالة شعبه، كان وسيستمر عصيا على كيد الأعداء، مهما تعالت أصواتهم. ولنمعن النظر في قول المولى، عز وجل: “فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ”.
الغد