مدار الساعة - لا عجب أن تستغل الولايات المتحدة أزمةً مثل الهجوم الروسي على أوكرانيا لتضيّق الخناق على موسكو من الناحية الاقتصادية، عن طريق محاربة الغاز الروسي. فقد أعلنت الإدارة الأمريكية أنها تتواصل مع دول أخرى منتجة للغاز بهدف وقف تدفق الغاز الروسي إلى أوروبا واستبداله بمصادر أخرى. كذلك قال بايدن إنه سيعمل مع ألمانيا لضمان عدم المضي قدماً في مشروع "نورد ستريم 2" الذي يهدف إلى نقل الغاز الروسي إلى ألمانيا ومنها إلى أوروبا.
لا عجب في ذلك، لأن الحرب الأمريكية الروسية حول الغاز الطبيعي ليست جديدة على الإطلاق فهناك تاريخ طويل من الصراع بدأت قصته عقب انهيار الاتحاد السوفييتي.
الغاز الطبيعي الروسي.. أرقام تُظهر تفوقه عالمياً
يعتبر الغاز الطبيعي أحد أهم الموارد الاقتصادية في روسيا التي تبدي تفوقاً عالمياً واضحاً من حيث امتلاكها لاحتياطي ضخم لا يستهان به من الغاز، ومن ناحية إنتاجه وتصديره كذلك.
تدلنا الإحصائيات التالية على أهمية الغاز الطبيعي في روسيا وعلى أهمية الغاز الروسي للعالم:
1. تعتبر روسيا أكبر مصدّر للغاز الطبيعي في العالم، إذ تشحن سنوياً حوالي 196 مليار متر مكعب من الغاز.
2. اعتباراً من عام 2013 باتت روسيا ثاني أكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم؛ إذ تنتج سنوياً قرابة 669 مليار متر مكعب من الغاز (بعد الولايات المتحدة التي تنتج سنوياً 914 مليار متر مكعب).
3. توفر روسيا حوالي 25% من الغاز الطبيعي المستهلك في أوروبا.
4. ما يقرب من 80% من صادرات الغاز الطبيعي إلى أوروبا تمر عبر خطوط أنابيب الغاز في الأراضي الأوكرانية أولاً قبل الوصول إلى أوروبا.
5. تمتلك روسيا أكبر احتياطي للغاز الطبيعي، ويقدر بحوالي (48 تريليون متر مكعب).
6. وفقاً لمنظمة أوبك تحتل روسيا المرتبة الأولى في احتياطي الغاز الطبيعي العالمي، ويشكل احتياطي الغاز الروسي 24% من احتياطي الغاز الموجود في العالم.
7. من المرجح أن روسيا تمتلك كذلك أكبر حجم من رواسب الغاز الطبيعي غير المكتشفة وفقاً لتقديرات هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية.
صراع أمريكي- روسي قديم ومتجدد حول الغاز
أدرك هتلر أهمية الموارد الطبيعية الموجودة في الاتحاد السوفييتي، وكان الاستيلاء على احتياطي النفط الهائل الموجود في القوقاز أحد أبرز الأسباب التي دعته لغزو الأراضي السوفييتية. وبعد أن انتهت الحرب بهزيمة هتلر وحلفائه، استغل السوفييت النفط كما استغلوا الغاز الطبيعي ليصبحوا مصدراً عالمياً أساسياً للطاقة لا يستهان به.
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية تحولت العلاقات بين الاتحاد السوفييتي والغرب عموماً إلى حالة من العداء الخفي الذي عُرف بالحرب الباردة، وكان هناك تنافس سوفييتي- أمريكي واضح على الهيمنة الدولية.
كانت جميع الدول منهكة من الحروب العسكرية التي استنزفت دول المحور والحلفاء على حد سواء، لذلك بات الاقتصاد ساحة المعركة الجديدة.
في ذلك الوقت كان المحللون الأمريكيون يحذرون من "هجوم اقتصادي سوفييتي"، وبالفعل استطاعت موسكو أن تخلق علاقات اقتصادية قوية مع دول مختلفة حول العالم، وتوجس الأمريكيون خوفاً من أن تكون تلك الخطوة الأولى للسوفييت للهيمنة والبروز كقوة مركزية في العالم بعد الحرب.
وخلال فترة بسيطة، أدرك الأمريكيون أن روسيا تمتلك سلاحاً قد يزيد من هيمنتها الاقتصادية بشكل غير مسبوق: مصادر الطاقة المتمثلة بالنفط والغاز الطبيعي.
حرب جون كينيدي ضد مصادر الطاقة الروسية
بالرغم من الخسارات المادية والبشرية (قرابة 27 مليون إنسان) التي تكبدها السوفييت في الحرب العالمية الثانية، إلا أنهم بدؤوا سريعاً في عمليات إعادة الإعمار، واهتموا بشكل خاص باستغلال موارد الطاقة الطبيعية التي يمتلكونها، فراحوا يطوِّرون خطوط أنابيب الغاز والنفط لتصدير هذه المواد الخام إلى أوروبا.
وخلال عقدين فقط، أصبح اعتماد الأوروبيين على مصادر الطاقة الروسية مصدر قلق جدي لواشنطن.
بدأ السوفييت بالنفط أولاً. في الستينيات، كانت أوروبا تستورد 6% من نفطها من الاتحاد السوفييتي، لكن السوفييت أرادوا زيادة هذه النسبة، فشرعوا ببناء خط أنابيب ضخم يمتد على طول الطريق من الشرق الأقصى الروسي، عبر عدة دول أوروبية بما في ذلك أوكرانيا وبولندا، وينتهي في ألمانيا، وقد أطلق على هذا المشروع الضخم اسم "دروزبا" (والذي يعتبر اليوم واحداً من أطول خطوط أنابيب النفط حول العالم؛ إذ يبلغ طوله حوالي 4 آلاف كم).
كان هذا المشروع تهديداً حقيقياً للولايات المتحدة التي تخوفت من زيادة اعتماد الدول الأوروبية على مصادر الطاقة السوفييتية، وتوجّست كذلك من الأهمية العالمية التي سيجنيها الاتحاد السوفييتي بعد تنفيذ مشروع مماثل.
وفي عام 1963 حاولت إدارة جون كينيدي وقف بناء خط أنابيب "دروزبا" وذلك من خلال ممارسة ضغط على الخلفاء لعرقلة إتمام المشروع، مع ذلك وبعد عام من التأخير بسبب المضايقات الأمريكية تم الانتهاء من مد خط الأنابيب السوفييتية، وفشلت إدارة جون كينيدي بإحباط مشروع خط أنابيب النفط، كما ستفشل لاحقاً محاولات رونالد ريغان بإحباط مشروع مماثل لمد خط أنابيب للغاز الطبيعي.
من النفط إلى الغاز.. السوفييت مصدر قلق دائم لأمريكا
وبعد مرور حوالي عقدين من الزمن، واجهت إدارة الرئيس الأمريكي رونالد ريغان معضلة شبيهة لتلك التي واجهتها إدارة جون كينيدي لكن هذه المرة مع الغاز الطبيعي.
فبعد أن تمكن السوفييت من مد خط أنابيب النفط بنجاح، بدؤوا عام 1981 ببناء خط أنابيب للغاز الطبيعي يمتد من سيبيريا إلى أوروبا الغربية، وفقاً لما ورد في موقع The Conversation.
وبالتأكيد نظرت الولايات المتحدة إلى هذا المشروع على أنه تهديد آخر لها، وحاولت إدارة الرئيس الأمريكي ريغان إقناع الحلفاء الأوروبيين مثل فرنسا وألمانيا بالانضمام إلى الحظر الذي تفرضه الولايات المتحدة ليس فقط على معدات خط الأنابيب للمشروع ولكن على التمويل أيضاً.
لكنّ تلك الدول رفضت عرض إدارة ريغان، فكان رد الولايات المتحدة عبارة عن عقوبات تهدف إلى منع الشركات الأوروبية من توفير الأموال أو المعدات للمشروع.
لكن تلك العقوبات أشعلت أزمة غربية، وزرعت الانقسام بين الولايات المتحدة وأوروبا، وكانت النتيجة تراجع الولايات المتحدة عن تلك العقوبات بعد بضعة أشهر فقط، وانتهاء بناء خط أنابيب الغاز السوفييتي مع حلول عام 1984 .
روسيا تستخدم الطاقة سلاحاً ضد أوروبا
تجاهل الأوروبيون على مدى عقود التحذيرات الأمريكية بشأن قوة السوفييت الاقتصادية المتزايدة، لكنّ عواقب الاعتماد على مصادر الطاقة الروسية بدأت تتجلى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991.
فقد كان السوفييت ينظرون إلى مصادر الطاقة على أنها قوة اقتصادية لا أكثر، على عكس خلفائهم الروس الذين دمجوا الأهداف الاقتصادية مع الأهداف الجيوسياسية واستخدموا مصادر الطاقة للضغط على عملائهم في العديد من الحالات.
نابوكو والتحرر من العبودية
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، لم تعد الولايات المتحدة وحدها من تحارب تعاظم احتكار روسيا لسوق الغاز الطبيعي، فقد انضم إليها أيضاً عدد من الدول الأوروبية.
كانت أولى المحاولات الأمريكية- الأوروبية "لتحرير" أوروبا من "عبودية الغاز" لروسيا، هي بناء خط أنابيب غاز "نابوكو".
أطلق على خط الأنابيب هذا الاسم تيمناً بمقطوعة موسيقية كلاسيكية شهيرة تدعى "أوبرا نابوكو" وتتحدث عن التحرر من العبودية، وقد تم إنشاؤه بدعم مالي وسياسي من الولايات المتحدة ودول في الاتحاد الأوروبي.
تنطلق أنابيب نابوكو من 3 دول في آسيا الوسطى، هي: كازاخستان وأوزبكستان وتركمانستان، وتتوجه بعد ذلك غرباً نحو بحر قزوين إلى أذربيجان، ومن ثم إلى جورجيا، فتركيا، بعد ذلك يتوجه خط الأنابيب إلى بلغاريا ورومانيا وهنغاريا والنمسا، ومن هذه الدول يتم توزيع الغاز إلى كافة أنحاء أوروبا. وبذلك يتم تأمين الغاز لأوروبا بعيداً تماماً عن الهيمنة الروسية.
من الطبيعي أن تعتبر روسيا هذا المشروع تحدياً لها، ولم تقف الحكومة الروسية مكتوفة الأيدي بل سارعت لإبرام اتفاقيات قلبت المعادلات في المنطقة تماماً.
فقامت بشراء نسبة كبيرة من إنتاج دول تركمانستان وأوزباكستان من الغاز، في حين وقَّعت أذربيجان اتفاقية مع روسيا ادعت على إثرها أنها لا تمتلك فائضاً من الغاز لضخه في أنابيب "نابوكو".
وبذلك تمكنت موسكو من الالتفاف على المشروع الذي تم إنشاؤه في الأساس لتقليص نفوذها وهيمنتها على سوق الغاز الطبيعي؛ إذ أدت الجغرافيا ومصالح دول بحر قزوين دوراً حاسماً ساعد على وصول روسيا إلى الغاز قبل ضخه في الأنابيب.
العقوبات الأوروبية وَأَدَت مشروع "ساوث ستريم" الروسي
استمرت مع ذلك الحروب الأمريكية- الأوروبية ضد هيمنة الغاز الروسي على السوق، وتمثَّلت هذه الحرب مجدداً في عرقلة مشروع "ساوث ستريم" الروسي، والذي تم عرضه عام 2007 ويهدف إلى مد خط من أنابيب الغاز الطبيعي عبر البحر الأسود إلى بلغاريا وعبر صربيا والمجر وسلوفينيا إلى النمسا.
تصاعدت "حروب الطاقة" بشكل خاص بعد صعود فلاديمير بوتين إلى السلطة، إذ لم يتوانَ الرئيس الروسي عن ممارسة الضغوط على الدول الأوروبية مستخدماً سلاح الغاز الطبيعي.
لذلك فرض الاتحاد الأوروبي على روسيا عدداً من العقوبات التي منعتها من إتمام هذا المشروع، مما دفع الحكومة الروسية لإلغاء المشروع في نهاية الأمر عام 2014.
وتم استبدال هذا المشروع بخطوط أنابيب (ترك ستريم) التي تمر بتركيا، إذ بدأت هذه الأنابيب في تصدير الغاز إلى بلغاريا ابتداء من عام 2020.
ترامب على خُطى كينيدي وريغان
إحباط الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لمشروع "ساوث ستريم" لم يثنِ روسيا عن مشاريعها التوسعية في مجال إمدادات الغاز الطبيعي، ففي عام 2011 بدأت شركة نورد ستريم الروسية تقييم مشروع توسع يتكون من خطين إضافيين أطلق عليه اسم "نورد ستريم 2″، إذ يعتبر هذا المشروع بمثابة تتمة لمشروع "نورد ستريم" الذي تم افتتاحه عام 2011 لنقل الغاز الطبيعي من مدينة فيبورغ في روسيا إلى مدينة غرايفسفالد في ألمانيا.
هذا المشروع عبارة عن خط أنابيب يبلغ طوله 1220 كيلومتراً يمتد من منطقة لينينغراد الروسية على طول قاع بحر البلطيق إلى منتجع لوبمين شمال ألمانيا، وتبلغ تكلفته قرابة 10.6 مليار دولار، ومن المخطط أن يضاعف هذا المشروع واردات ألمانيا من الغاز الطبيعي الروسي.
ومنحت ألمانيا بالفعل نورد ستريم 2 تصريحاً للبناء والتشغيل في المياه الألمانية ومناطق اليابسة بالقرب من لوبمين عام 2018.
لكن ذلك لم يرُق للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي حاول الضغط على الدول الأوروبية لإيقاف هذا المشروع الذي سيجعل أوروبا أكثر اعتماداً على الغاز الروسي وسيلحق الضرر بأوكرانيا التي ستحرم من رسوم عبور الأنابيب في أراضيها بعد افتتاح خط الأنابيب الجديد.
ووفقاً لما ورد في موقع RFERL، فقد وجد المحللون السياسيون أن جهود ترامب تسير بنفس الاتجاه الذي سارت عليه جهود كينيدي وريغان من قبل، إذ يمكن تأخير افتتاح المشروع الروسي وجعله أكثر كلفة لكن لن يتمكن ترامب من إيقافه.
وقد كان المحللون محقين في هذه النقطة، إذ لم يتمكن ترامب من إيقاف المشروع، الذي بقي قائماً إلى أن أعلنت ألمانيا تعليقه في عام 2022 بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا.
إذاً الصراع الأمريكي- الروسي حول الغاز الطبيعي بقي مستمراً منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى يومنا هذا، لكن صراع الغاز الروسي- الأوكراني يعتبر حديثاً نسبياً فقد بدأ عام 2004 بعد "ثورة البرتقال".
روسيا وأوكرانيا وتصاعد الصراع على الغاز بعد "ثورة البرتقال"
حتى عام 2004، حكم أوكرانيا زعيم موال لروسيا، لكن تمت الإطاحة به في "ثورة البرتقال" الأوكرانية التي اندلعت احتجاجاً على الفساد الذي يسود الانتخابات الأوكرانية.
وبعد الثورة، حكم أوكرانيا رئيس جديد يميل إلى توثيق العلاقات مع الغرب بدلاً من روسيا، مما أدى إلى توتر العلاقات إجمالاً بين البلدين.
وفي عام 2005، دخلت شركة الغاز الروسية "غازبروم" في صراع مع شركة الغاز الأوكرانية "نفتوغاز"؛ ليمتد هذا النزاع إلى نطاق أوسع ويتحول من قضية تجارية إلى قضية سياسية بين روسيا وأوكرانيا.
كما سبق وذكرنا، فإن الغاز الروسي المتوجه نحو أوروبا يمر بالأراضي الأوكرانية أولاً، وقد زعمت روسيا أن أوكرانيا لا تدفع ثمن الغاز الذي تستخدمه، وبالفعل اعترفت شركة "نفتوغاز" لاحقاً بأنها تستخدم جزءاً من الغاز الطبيعي الموجه إلى أوروبا لتلبية الاحتياجات الأوكرانية المحلية.
ووصل النزاع إلى ذروته عام 2006، عندما قطعت روسيا جميع إمدادات الغاز التي تمر عبر الأراضي الأوكرانية، لكن لاحقاً وفي نفس العام تم التوصل إلى اتفاق مبدئي بين الطرفين وتمت استعادة الإمدادات، وهدأ الوضع حتى عام 2007 حيث اندلعت خلافات جديدة حول ديون الغاز الأوكرانية، وتوترت العلاقات مجدداً ولم يستطِع البلدان التوصل إلى اتفاق حول الديون المستحقة على أوكرانيا.
وفي عام 2009، أدى هذا الخلاف إلى انقطاع الإمدادات في العديد من الدول الأوروبية، ونشأ خلاف آخر حول كمية الغاز التي ستستوردها أوكرانيا من روسيا في عام 2010، إذ كانت أوكرانيا تعتزم استيراد كميات أقل من الغاز نتيجة لانخفاض احتياجات الصناعة بسبب الركود الاقتصادي، ومع ذلك، أصرت شركة غازبروم الروسية على أن تفي أوكرانيا بالتزاماتها التعاقدية وأن تشتري كميات الغاز المتفق عليها مسبقاً.
عادت الأمور للتأزم مرة أخرى عندما طالبت روسيا أوكرانيا بأن تدفع ثمن الغاز الروسي بسعر السوق، وذلك عام 2011، وعندما رفضت أوكرانيا ذلك قيدت روسيا تدفق الغاز عبر خطوط الأنابيب الأوكرانية، الأمر الذي بدا للمراقبين الخارجيين خطوة تهدف إلى زعزعة استقرار الحكومة الموالية للغرب في كييف.
واستخدمت روسيا كل تلك النزاعات لتظهر أوكرانيا على أنها دولة عبور غير موثوق بها، مما أعطاها شرعية لبناء خط أنابيب جديد يتجه من روسيا إلى أوروبا مباشرة دون المرور بالأراضي الأوكرانية.
نوردستريم.. من روسيا إلى أوروبا مباشرة
تم افتتاح خط الأنابيب "نوردستريم" في عام 2011، لتصدير الغاز الطبيعي من روسيا إلى ألمانيا بشكل مباشر، كما سبق وذكرنا، وقد كان هذا المشروع صفحة جديدة في تأزم العلاقات الأوكرانية- الروسية، فقد تسبب في خسارة سنوية لأوكرانيا قدرها 720 مليون دولار أمريكي كانت تحصل عليها من رسوم عبور الغاز من أراضيها.
وقد زاد نوردستريم أيضاً اعتماد ألمانيا على الغاز الروسي بشكل أكبر فمع حلول عام 2020 كانت تستورد من روسيا ما يقدر بـ 50٪ إلى 75٪ من احتياجها للغاز الطبيعي، (مقارنة بـ35٪ في عام 2015).
وعلى الرغم من جهود الولايات المتحدة لزيادة صادرات الغاز الأمريكي المسال إلى أوروبا، فإن صادرات الغاز الروسي تضاعفت إلى مستوى قياسي مع حلول 2021 خاصة بعد افتتاح "نوردستريم".
واليوم تستخدم روسيا الغاز ورقة للضغط على الدول الأوروبية، حتى إن وكالة الطاقة الدولية اتهمت روسيا عام 2021 بزعزعة استقرار أمن الطاقة الأوروبي، بسبب تخفيض صادراتها من الغاز إلى أوروبا مع احتدام الأزمة المتعلقة بأوكرانيا.
أسواق الغاز البديلة
يقول الخبير الاقتصادي فيكتور لاشون، لموقع "الجزيرة"، إن الحديث الأمريكي عن إيجاد مصادر بديلة للغاز الروسي إلى أوروبا سيعني من الناحية العملية إرغامها على شراء غاز أكثر تكلفة وبشروط أقل ملاءمة، إذ تبقى التكاليف العدو الرئيسي للحلم الأمريكي بتوريد الغاز الطبيعي إلى أوروبا، لأن إمدادات الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة أكثر تكلفة من صادرات الغاز عبر خطوط الأنابيب من روسيا.
مع ذلك، ووفقاً لمجلة The Economist البريطانية، توجد مصادر غاز واعدة بالفعل أمام أوروبا فمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا غنية بالغاز الطبيعي.
ومع حلول عام 2019، شكلت الجزائر وقطر 8% و5% على التوالي من واردات أوروبا من الغاز الطبيعي في 2019.
وتمثل آسيا ما يقرب من ثلاثة أرباع واردات الغاز الطبيعي المسال العالمية، وفقاً لشركة AllianceBernstein المالية.
لكن، في الوقت نفسه، فإن الاستهلاك المحلي المتزايد من الغاز الطبيعي في الشرق الأوسط، والذي نما بمتوسط 4.6% سنوياً على مدار العقد الماضي، يترك مجالاً أقل للتصدير.
وعلينا ألا ننسى أنه في حال استغنت أوروبا عن روسيا مصدراً للغاز- وهو أمر غير وارد الحدوث- فإن روسيا لا تزال تمتلك سوقاً استهلاكياً كبيراً متمثلاً بالصين، خاصة بعد توسيع خط أنابيب "قوة سيبيريا" الذي ساهم في زيادة صادرات الغاز الروسي إلى الصين لأكثر من 10 مليارات متر مكعب، فضلاً عن الأسواق البديلة في الهند وجمهوريات آسيا الوسطى وبلدان جنوب شرق آسيا، وحتى إفريقيا في المستقبل.
باختصار سيمثل الاستغناء عن الغاز الروسي تكلفة كبيرة للغاية لأوروبا، وعلى الرغم من أن روسيا ستخسر أيضاً فإنها لا تزال تمتلك سوقاً بديلاً كبيراً مماثلاً لأوروبا من حيث حجم الاستهلاك.