بقلم الدكتور رضوان محمود المجالي.
في قراءة متأنية للأزمة الأوكرانية نجد أنها تمثل أحد الارهاصات الدولية لمرحلة ما بعد الحرب الباردة ودليلاً آخر على ضعف الولايات المتحدة الأمريكية في إدارة العلاقات الدولية، بل وفشل المنظمات الدولية والإقليمية في تحقيق قدرة في تسوية المنازعات الدولية بالطرق السلمية.
إن مقدار التعاطي الأمريكي والغربي مع القضية الأوكرانية يقودنا لدراسة متعمقة لكثير من الاحداث والوقائع في السياسة الدولية، وفق مدرسة السياسة الدولية من منظور تاريخي، حيث يشير هنري كسينجر إلى ان دراسة تاريخ أوروبا والسياسة الدولية ، يقدم لنا تفسيراً لما يحدث في العلاقات الدولية، ودراسة الصراع الروسي الأمريكي في مرحلتي الحرب الباردة وما بعد الحرب الباردة، حيث فشل الغرب في التعامل مع قضايا كان للسياسة الروسية دوراً فيها، بمعنى آخر ( المجال الحيوي الروسي). وفقاً لذلك نجد أن الصراع في البلقان منتصف تسعينات القرن العشرين، قد أوضح فشلاً غربياً وأُممياً في التعامل مع قضية البلقان بتدخل روسي، وكذا الحال في الشيشان وجورجيا حيث المصالح والنفوذ الروسي، حال دون أي دور غربي وأُممي في معالجة تداعيات التدخل الروسي، وكذلك في بدايات الأزمة الأوكرانية عام ٢٠١٣ والتي تشكل منطقة نفوذ روسية؛ لأهميتها الاقتصادية والجيواستراتيجية، فكان لسيطرتها على شبه جزيرة القرم- مثالاً واضحاً على أن روسيا لن تترك فرصة للولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها بأن يكون لهم انفراداً في مناطق نفوذها. فكانت سورياً مثال آخر على ذلك، دفع الروس للتدخل عسكريا فيها للحفاظ على مصالحها.
فكان ضعف التعاطي الامريكي والغربي دليلاً على بعض الحقائق :
اولاً: ضعف النظام الأحادي القطبية بزعامة الولايات المتحدة في التعامل مع قضايا العلاقات الدولية وأزماتها، وضعف قدرتها في التأثير في احداث فارق في ادارة الصراع وتسوية المنازعات. وهذا ما لاحظناه في كثير من الأزمات والصراعات الدولية خلال الفترة (١٩٩٠-٢٠٢٢).
ثانياً: نشوء اوضاع غير مستقرة في مختلف دول العام، وضعف وتراجع نمو الاقتصاد العالمي، حيث لم يشهد العالم استقراراً لأسعار الطاقة ( النفط والغاز)، وتذبذب الاوضاع الاقتصادية ما بين الصعود والافول لاقتصاديات دول العالم، مقابل تراجع دور المؤسسات الاقتصادية العالمية، وصعود دور المنظمات الإقليمية الاقتصادية الاخرى.
ثالثاً: صعود قوة الصين وروسيا في سياق زيادة تحالفاتهما الاقتصادية مقابل تراجع التحالف الغربي الأمريكي، حيث تراجع دور الاتحاد الأورربي، وشمول الحرب التجارية الأمريكية الصينية لحلفاءها، والخلافات الأمريكية الفرنسية.
رابعاً: عدم قدرة النظام الدولي على حل القضايا الدولية الجديدة( البيئة والتغير المناخي، وأزمة التسلح النووي والمفاوضات النووية مع إيران، أزمات الربيع العربي، جائحة كورونا).
شكل التدخل الروسي في أوكرانيا في سياق النسخة الجديدة لعام ٢٠٢٢ رغم التصريحات الغربية الأمريكية والتلويح بعقوبات لروسيا ، إلا أن الصراع الصفري في الأزمة الأوكرانية لا يقبل القسمه على طرفين. حيث أن حسم القرار الروسي في القضية الأوكرانية يدفع الروس إلى فرض واقع جديد في أوكرانيا يخضع للنفوذ الروسي. وأن الرئيس بوتين على ادراك تام بأن الرد الغربي والأمريكي لن يتجاوز العقوبات الاقتصادية لتدخل او مواجهة عسكرية، فالتاريخ يثبت البعبة الغربية الأمريكية.
إن اطالة الصراع في أوكرانيا من شأنه أن يخلق واقعاً اقتصادياً يؤثر على روسيا وعلى باقي دول العالم. فمع ساعات دخول روسيا إلى اوكرانيا بدأت أسعار النفط والذهب ترتفع لأول مره منذ سبع سنوات، وبدأت الاسواق الأوروبية بل والعالمية تتآثر كون الأزمة الأوكرانية هي أزمة دولية ذات أبعاد وتأثيرات مختلفة. في مقابل ذلك نجد أن امدادات الطاقة العالمية بأتت تتأثر بحالة التدخل الروسي، وفق مفهوم الأمن الطاقوي. حيث أن الاقتصاد العالمي لم يتعافى بعد من جائحة كورونا في ظل حالة الانكماش الاقتصادي، حيث أن دول العالم في غنى عن الدخول في أي حرب أو صراع قد يترتب عليه تداعيات اقتصادية، فهذا ما سوف تجده روسيا من رغبة في حسم سريع للصراع في أوكرانيا بأقل التكاليف وأكثر المكاسب، لأنها تدرك بأن الغرب والولايات المتحدة تنأى عن الدخول في أي مواجهة عسكرية، لما يترتب عليها من تكلفة اقتصادية تنعكس بشكل سلبي على اقتصادياتها.
وأن الرغبة الغربية في تورط الدول الصاعدة في صراعات هو حالة من التكلفة والانهاك الاقتصادي لها. في ظل مرحلة إعادة ترتيب الحسابات الدولية في ضوء نشوء شكل جديد لحرب باردة.