لم تتوقف آلة الدعاية الأميركية/والغربية الرهيبة, عن حملتها المسعورة لشيطنة روسيا, وبخاصة بعد الخيبة/الفضيحة التي حصدتها واشنطن, إثر فشل «تأكيدها» أن الغزو الروسي لأوكرانيا سيتم في 16 شباط. وإذ مضى الأربعاء الماضي كأي يوم عادي, فقد عاد الرئيس بايدن ليقول إنه «مُتيَقِّن» أن بوتين اتخذ قرار الغزو, وأن الاجتياح الروسي سيطاول العاصمة كييف.
وإذ تُعاوِد طبول الحرب الأميركية/الأطلسية ضجيجها, وبخاصة بعد انزلاق أصحاب الرؤوس الحامية في أوكرانيا وبتحريض غربي لتصعيد الموقف في إقليم دونباس, عبر قصف غير مسبوق بأسلحة محظورة, ما اضطر «الكرملين» إلى اتخاذ قرار بترحيل المدنيين إلى الأراضي الروسية, على نحو لم تتردّد موسكو التي استدعت قواتها الاحتياطية للخدمة، للقول أنها لا تريد الحرب إلاّ أنها مستعدة للدفاع عن مواطنيها في دونيتسك/ولوغانسك (الدونباس)، ما يدفع الأمور إلى حافة الهاوية وربما أبعد، في ظل معطيات ثلاث يجدر التوقف عند دلالاتها.
أولها: ما انطوت عليه «المناورات النووية «الروسية» التي بدأت أمس بإشراف مباشر من الرئيس بوتين ما أثار المخاوف بإمكانية ذهاب الصراع الراهن الى نقطة اللاعودة, والوصول إلى «خيار الصِفر».
ثانيها: اختتام دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في العاصمة الصينية/ اليوم 20/2, التي كانت مثار تركيز غربي, ارادوا من خلاله «تأخير مواعيد الغزو الروسي على أجندتهم, بزعم أن الرئيس الصيني شي «حذّر» بوتين من بدء الغزو خلال انعقاد الدورة.
ثالثها: انتهاء المناورات واسعة النطاق التي أجراها الجيشان الروسي/ والبيلاروسي على أراضي بيلاروس/ تنتهي اليوم, بعدما ذهبت وسائل الإعلام الغربية ذروة حملتها الدعائية المبرمجة, بزعم أن المناورات المذكورة مجرّد غطاء لإخفاء الجبهة الثانية للغزو، كون روسيا ستجتاح أوكرانيا عبر الحدود البيلاروسية/شمال أوكرانيا، لقربها من كييف.
وسط أجواء محتقنة كهذه.. بدت الإدارة الأميركية في خطابات بايدن أم عبر متحدثة البيت الأبيض كما مجلس الأمن القومي في حال غير مسبوقة من الإرتباك، بعدما «فاجأهم» بوتين, وبخاصة بعد الإنسحاب/الهزيمة الاميركية المذلّة في أفغانستان, بجدول أعمال جديد ينهض على وقف تمدّد حلف الناتو والمطالبة بضمانات أمنية, وإن كانت أوكرانيا لا تشكل في هذا الجدول سوى موضوع أقل أهمية/حتى لا نقول ثانوية. لأن ما يرومه بوتين أبعد وأكثر عمقاً واستراتيجية من «جزئية» أوكرانيا, حتى وإن اتخذت بُعداً أوسع كونها لا تحمل بطاقة الناتو.
الارتباك/الهستيريا الأميركية/ والغربية الراهنة، تعكس ضمن أمور أخرى تراجع النفوذ الأميركي عالمياً في شكل ملحوظ, بل وثمة ما كشفته الأزمة الراهنة مع روسيا على النحو الذي رصده الكاتب الأميركي/ديفيد اغناطيوس في صحيفة «واشنطن بوست» قائلاً: إن الأزمة الناشئة حول أوكرانيا ستُسجل في التاريخ.. مشيراً إلى أن الرئيس الأميركي بايدن يُواجه أحد أكبر الأزمات العالمية في التاريخ الأميركي المعاصر. ناقلاً/ اغناطيوس عن مسؤول أميركي (لم يُسمِّه) قوله: إن الأزمة الأوكرانية قد تتحول إلى حدث يوازي أزمة قناة السويس/1956، التي ساهم? بتفكك الإمبراطورية البريطانية, مُضيفاً/ الكاتب «أن تداعيات هذه الأزمة لا تقتصر على القارة الأوروبية, بل تشمل نطاقاً أوسع بكثير. لافتاً إلى أن «البيان المُشترك الذي أصدره الرئيسان..الصيني/شي جين بينغ, والروسي/فلاديمير بوتين عقب لقائهما في بكين,الذي تضمّن كلاماً حول «عصر جديد».. سيكون بديلاً عن النظام الذي تقوده أميركا، مُتوقعاً/اغناطيوس أن «المواجهة مع الصين على خلفية «تايوان» أيضاً تلوح في الأفق, لافتاً إلى أن «بيان بكين... اقترحَ بديلاً عن قيادة أميركا للعالم».
هنا يتوجب التوقّف عند مغزى وطبيعة «التحذير» الذي وجّهته واشنطن للصين, من مغبة تقديم اي دعم لروسيا. كون الصين بتسهيلها الأمور لروسيا حال تعرّضها للعقوبات ستُرسل للعالم إشارة سيئة للغاية, وسيكون لخطواتها تأثير عميق على «سُمعتها» في أوروبا.
ماذا عن روسيا؟.. يقول نائب مستشار الأمن القومي الأميركي/داليب سينغ: «روسيا ستُصبح حال غزت أوكرانيا.. دولة «مَنبوذة» بالنسبة للمجتمع الدولي وستُعزل من الأسواق المالية وتُحرم المُساهمات التكنولوجية الأكثر تطوّراً. زد على ذلك الإستعراض «البلاغي/الاستكباري» الذي قدّمه في مجلس الأمن وزير الخارجية الأميركي/بلينكن, الذي أبدى استعداده للاجتماع بنظيره الروسي لافروف.. «إذ لم يتّم الغزو الروسي لأوكرانيا!!.
سيل تهديدات وتحذيرات يعكس عجزاً أميركياً واضحاً، وبخاصّة بعدما «بات زمن تحكّم واشنطن بأمور أوروبا في حكم المنتهي»، على ما أكّد اغناطيوس في واشنطن بوست. ناهيك عن تخلّي واشنطن عن سلاح الدبلوماسية لصالح سلاح العقوبات، الذي اثبت هو الآخر انعدام قدرته على تركيع الدول المناهضة للهمينة الأميركية وسياسات الغطرسة, المحمولة على حروب وغزوات لا تنتهي, كما ثبت في حال كوبا، فنزويلا وايران, التي تستعد واشنطن لرفع العقوبات عنها.
kharroub@jpf.com.jo
الرأي