مدار الساعة - إذا كانت لديك طفولة غير مستقرة ولم تتم تلبية احتياجاتك العاطفية من قبل القائمين على رعايتك من آباء وإخوة ومعلمين، فأنت لست وحدك. عدم الشعور بالحب في الطفولة تجربة شائعة ويمكن أن تمتد آثارها عميقة وطويلة المدى.
تقول عالمة النفس الإكلينيكي الأمريكية كارلا ماري مانلي: "تمهِّد تجارب الأبوة والأمومة وتجارب الحياة المبكرة الطريق لإحساس الطفل بأنه محبوب وآمن في عالم غالباً ما يكون مربكاً وصادماً خاصة لمن لم تتم تهيئتهم لاستقباله".
مضيفة أنه "عندما يتم إهمال الطفل أو رفضه أو إساءة معاملته في سنواته المبكرة، فإنه سيعاني من الشعور خلال حياته بأنه غير محبوب، وسيميل إلى الاستمرار في الشعور بذلك، ما سيؤثر على جميع مجالات حياة هذا الفرد".
ومع ذلك، تذكر أن إلقاء اللوم على والديك أو أسرتك على السلوكيات المدمرة ليس بالفكرة الصائبة التي ستعالج ما لديك من تبعات سلبية. ولكن هناك فائدة كبيرة في الفهم من أجل التعافي حتى لا يدوم أثر الضرر الحاصل.
ومن أجل زيادة الوعي بالمشكلة لتحقيق التعافي، من الضروري فهم الآثار المحتملة لطفولة الطفل غير المحبوب بشكل كافٍ.
إذاً ماذا يحدث عندما لا يشعر الطفل بأنه محبوب خلال مراحل نموه؟
معاناة الشخص من أنماط التعلُّق غير الآمن
وفقاً لدراسة أجريت عام 2018، ونشرتها مجلة Science Direct، يمكن أن تساعدنا نظرية التعلُّق في فهم كيف يمكن لعلاقاتنا التكوينية كأطفال أن تؤثر على كيفية تعاملنا مع الآخرين كبالغين.
تقول نانسي بالوما كولينز، أخصائية الطب النفسي، إنه "عندما تكون تجربة التعلق الأولى للطفل أنه غير محبوب بما يكفي، يمكن أن يخلق ذلك صعوبة في التقارب والحميمية والثقة، مما يخلق مشاعر قلق مستمرة وتجنب لإنشاء علاقات عميقة ذات مغزى كشخص بالغ".
ويمكن أن يؤثر أسلوب التعلق غير الآمن الناجم عن الطفولة غير المُشبعة بالحب على:
كيف يقوم الشخص بالتعبير عن مشاعره واحتياجاته.
كيف تفهم مشاعر واحتياجات المقربين منك.
كيف تعالج الخلافات والصراعات مع الآخرين.
كيف تنظم مشاعرك ورغباتك.
تتحكم في توقعاتك من العلاقات والأشخاص من حولك.
كيف تتفاعل مع الحياة والعمل والعلاقات في مرحلة البلوغ.
الذكاء العاطفي عند الشخص يرتبط بقدر حب الوالدين له في طفولته
يوضح موقع Psychcentral لعلم النفس، أن أدمغة الأطفال مثل الإسفنج بالمعنى الحرفي للكلمة. فهم يرون ويشعرون ويلاحظون سلوكيات الآباء ومواقفهم وطاقتهم ثم يقومون بترجمتها.
لذلك إذا لم يكن الآباء قدوة للذكاء العاطفي الصحي والقدرة السليمة في التعبير عن المشاعر، فلن يطور أطفالهم ذكاءً عاطفياً قوياً، وعلى الأغلب سيعانون لبقية حياتهم من عدم الشعور بالحب.
ومع ذلك، حتى إذا لم يقُم الوالدان بنمذجة ذلك في الطفولة، فإنه من الممكن تطوير ذكاء الشخص العاطفي من خلال الوعي الذاتي بهذا العجز، ومن ثم اتخاذ إجراءات متسقة لتحسينه ومعالجة قصوره.
كما يتم تعلم الحدود بنفس المعادلة. لذلك إذا لم تكن عائلتك الأصلية تمثل الحدود الصحية للعلاقات أمامك، فقد تفتقر إلى المهارات اللازمة كشخص بالغ.
لذلك إذا كان مفهوم الحدود الشخصية مبهماً بالنسبة لك، فقد يؤدي ذلك إلى:
استغلالك من قِبَل الناس بسهولة.
استغلال الآخرين لكي تشعر بالاكتفاء.
عدم القدرة على الشعور بالأمان مع الآخرين.
خلق حواجز وعرقلة الانخراط في العلاقات الصحية.
كما قد يعاني هؤلاء المتضررون أيضاً من الاعتمادية والاتكال السام على من حولهم، وعدم القدرة على الاستقلالية والاعتماد على الذات.
تضرر الشعور بالقيمة الذاتية وتقدير النفس
نظراً إلى أن الأطفال يتطلعون إلى والديهم لمعرفة من هم، فإن الآباء الذين لا يظهرون لأطفالهم حباً حقيقياً وغير مشروط لهم، يميلون إلى إحداث ضرر دائم لإحساس أطفالهم بذواتهم.
وبحسب الموقع ذاته، الإحساس بضعف الذات يحدث عادة عندما يعاني الطفل بأنه من عدم الشعور بالحب، أو غير مرغوب فيه، أو مرفوض، أو مُهمل، أو مهجور، أو يتم انتقاده باستمرار.
لذلك يعاني الأشخاص الذين شعروا بأنهم غير محبوبين كأطفال من قِبَل الوالدين والمربين، من الشعور بأنهم "ليسوا جيدين بما يكفي" في مرحلة البلوغ.
على سبيل المثال، إذا تم نبذ الابنة أو تجاهلها، فإنها تستوعب الفكرة بأنها لا تستحق أن يتم التعامل معها، وإذا تعرضت لانتقادات مستمرة فإنها ستعتقد أنها لن تكون جيدة بما فيه الكفاية مهما بذلت من جهد.
مشاكل انعدام الثقة في الآخرين
لكي تتمكن من الثقة في الآخرين، يجب أن تؤمن بأن العالم هو في الأساس مكان آمن وأن الناس فيه حسنو النوايا، وإن كانوا غير كاملين في بعض الأحيان.
ولكن في حال النمو كطفل مع أم وأب غير موثوقين عاطفياً أو جافين أو شديدي النقد، يتعلم الأبناء أن العلاقات غير مستقرة وخطيرة، وأن هذه الثقة سريعة الزوال ومؤقتة ولا يمكن الاعتماد عليها. وهي الأمور التي تعزز لديهم عدم الشعور بالحب.
وبحسب موقع Psychology Today للصحة النفسية، هذا الشعور العميق بعدم الثقة يمكن أن يخلق ديناميكية مؤذية لهؤلاء الأشخاص بأنهم ليسوا جديرين بالثقة وأن من حولهم أيضاً لا يستحقون الثقة.
في الوقت نفسه، يمكن أن يتسبب هذا القصور في قيام الطفل بإنشاء دفاعات قوية لـ"حماية نفسه من المخاطر المحتملة"، وقد يؤدي إلى عدم القدرة على الوثوق بأي شخص.
اختيار الأصدقاء والشركاء السامّين
نبحث جميعاً عن المألوف، وهو أمر رائع إذا كان لديك قاعدة آمنة، لكن بالتأكيد إذا كنت ابناً غير محبوب، فإن الأمر يُعد شديد الخطورة والتأثير.
هناك احتمالات كبيرة لمن عانوا من انعدام الحب في طفولتهم أن ينجذبوا إلى أولئك الذين يعاملونهم كما عاملهم آباؤهم- فهي منطقة راحة مألوفة لا توفر الراحة بالتأكيد، ولكن يعرف الشخص كيف تكون الحياة ضمن حدودها.
حتى تبدأ في التعرف على الطرق التي تعرضت فيها للإصابة في طفولتك بعدم الشعور بالحب، من المحتمل جداً أن تستمر في إعادة خلق الأجواء العاطفية التي نشأت فيها في علاقاتك البالغة أيضاً.
وغالباً ما يهيمن الخوف من الرفض على عالم الابن الفاقد للحب في طفولته، لذلك ينضُج وهو يشعُر أنه يخشى المزيد من الأمور ويشعر بالحساسية المفرطة.
ما العمل إذاً؟
فيما يلي بعض النصائح العملية التي يمكن اعتمادها لتبني السلوكيات الصحية وفقاً لموقع Medium للمنوعات:
1- إعادة والدية الطفل الداخلي
يبحث طفلك الداخلي عن الحب والتحقق من صحة تقديره عند الآخرين الذي لم يحصل عليه في طفولته. وهو يتوق إلى أن يعتني بذاته لكي يتمتع برفاهيته الحقيقية وسلامته. وهذا أمر ضروري في طريق التعافي.
2- ابحث عن العلاج
إذا لم تحصل على الحب والعاطفة كطفل، فعلى الأرجح ستكبر وأنت تشعر بالفراغ الدائم الذي تسعى دائماً لملئه، مع عدم وجود وقت للتركيز على أحلامك أو أهدافك أو حياتك الخاصة، لأنك مشغول دوماً بكيفية القيام بذلك.
ونظراً لسمية شعور أنك غير مكتمل دوماً، من الضروري خلق شعور داخلي قوي بالذات لملء هذا الفراغ؛ العلاج النفسي السلوكي يساعدك على القيام بذلك.
3- الانضباط الذاتي ووضع حدود صحية
خلق حدود صحية في العمل والعلاقات من حولك أمر ضروري.
تعلم أن تميز متى تضع نفسك في المرتبة الأولى ومتى تشارك نفسك مع الآخرين. أيضاً قم بتنظيم حدود حياتك الخاصة وحياتك العملية، وتجنب الميل إلى العمل في أقصى الحدود.
4- الحصول على الرعاية المتخصصة
العلاج النفسي السلوكي ضروري للغاية عند المعاناة من تبعات انعدام الحب والأمان العاطفي، لأنها قد تكون غير واضحة ومفهومة بالنسبة للشخص المصاب، وهي قادرة تماماً على تدمير حياة الشخص إذا لم يتم التعامل معها بوعي.
لذلك تذكر دوماً أن الحصول على مساعدة متخصص في علم النفس يمكنه مساعدتك على فهم كيف تكون رحلة التعافي.