أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات جامعات وفيات برلمانيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

ماذا نتأثر بموت شخص واحد أكثر من تأثرنا بموت المئات من الأشخاص؟

مدار الساعة,أخبار ثقافية,كورونا,الأمم المتحدة,مواقع التواصل الاجتماعي
مدار الساعة ـ
حجم الخط

مدار الساعة - هناك أكثر من 82.4 مليون نازح ولاجئ ومُشرد في جميع أنحاء العالم اليوم، حسب آخر تقارير الأمم المتحدة، المنشورة عام 2020.

ويُعد ذلك أكبر رقم قياسي لتلك الأزمة على الإطلاق، ومن المحتمل أن يكون أكبر عدد من اللاجئين وطالبي اللجوء في تاريخ البشرية.
علاوة على ذلك، يتعرض الآلاف منهم- إن لم يكن الملايين- للموت في ظروف المخيمات القاسية أو أثناء محاولات النزوح عبر الهجرة غير الشرعية.
إذا حاولت التفكير في الأمر بتمعُّن، هل يمكنك أن تتخيل فداحة تلك الأرقام؟
ولكن إذا أخبرتك الآن أن فتى مغربياً صغيراً يُدعى ريان، لقي مصرعه في ظروف قاسية بعد أن سقط في بئر عميقة، واستغرقت محاولات انتشاله 5 أيام تقريباً قبل أن تخفق في إنقاذه.
هل لاحظت كيف تغير مستوى تعاطفك مع الخبرين؟ قد يكمُن الجواب في مقولة يُعتقد أنها للديكتاتور الفاشي جوزيف ستالين مفادها أن "موت إنسان واحد مأساة كبرى، وموت الملايين من البشر مجرد إحصائية".
حدود قدرات البشر العقلية في التعاطف مع الآخرين
عندما ننظر إلى حادثة أثرت على حياة شخص واحد، يمكننا تخيل آلامه ومعاناته. لكن بالنسبة لعشرات الملايين من البشر، فإن الأمر ببساطة لا يمكن احتماله أو استيعابه. وتتحول الكارثة إلى مجرد رقم إحصائي.
وبحسب علم النفس هناك حد للتعاطف البشري مع الأزمات، وهي واحدة من أقوى القدرات النفسية التي تتحكم في مجريات الأحداث البشرية.
وكان عالما النفس الأمريكيان في جامعة أوريغون، بول سلوفيتش وديبورا سمول، ولعقود طويلة يطرحان السؤال نفسه: لماذا يتجاهل العالم في كثير من الأحيان الفظائع الجماعية والمعاناة الجماعية؟
وفي أبحاث علمية بهذا الصدد، كشف العالمان أن العقل البشري ليس بارعاً للغاية في التفكير والتعاطف مع ملايين الملايين من الأفراد، ووصفا هذه الظاهرة باسم "انهيار الشفقة".
وتعني هذه الظاهرة أنه عندما ترتفع الأعداد من الضحايا والمنكوبين، ينخفض مقدار التعاطف الذي يشعر به الناس بشكل عكسي، ويذهب هذا الانحدار في التعاطف مع الاستعداد للتبرع بالمال أو ببذل الوقت والجهد لتقديم المساعدة.
كلما ارتفعت مشاعر التعاطف زادت قوة كبحها
ووجدت الدراسة التي تم نشرها عبر موقع Psychology Today للصحة النفسية، أنه مع ارتفاع عدد الضحايا في الكوارث، يزداد الدافع البشري في عقل الإنسان لكبح مشاعر التعاطف.
بعبارة أخرى، عندما يرى الناس عدة ضحايا في آنٍ واحد، فإنهم يخفضون مستوى عواطفهم خوفاً من الإرهاق والاستنزاف.
وتم إثبات هذه النظرية من خلال اختبار الدراسة لعدد من المشاركين الذين طُلب منهم القراءة في معمل للدراسات عن فتاة تُدعى رقية وهي طفلة راحت ضحية لعنف التطهير العرقي في دارفور بغرب إفريقيا خلال العقد المنصرم.
وكان من بين المعلومات المُقدمة للمشاركين صورة شخصية للطفلة.
في المقابل، طُلب من مجموعة أخرى من المشاركين قراءة معلومات عن حوالي ثمانية أطفال راحوا ضحايا لأحداث كارثية مماثلة. وكانت صور الأطفال الشخصية مرفقة أيضاً مع معلوماتهم الشخصية.
وبقياس مدى قدرة كل متطوع على إبقاء عواطفه تحت السيطرة، كشفت المجموعة الثانية أنها كانت أقل تعاطفاً مع الضحايا الثمانية، بالمقارنة مع مستوى تأثر الفريق الأول برقية، الضحية الواحدة.
تلك النتائج تثبت أن نظرية "انهيار التعاطف" قد تكون راجعة إلى السيطرة الاستراتيجية على العاطفة عند البشر، وهي بمثابة وسيلة دفاعية لحماية النَّفس من الانهيار، بحسب موقع Plos One للأبحاث العلمية.
تأثير سلبي على التعاطف العالمي مع الكوارث الكبرى
عدم قدرتنا على فهم المعاناة التي تنطوي عليها مثل تلك الأرقام في ضحايا الحروب والكوارث والأوبئة، وضمنها أرقام ضحايا كورونا 19 كمثال قريب، يمكن أن يضر بطريقة رد فعل البشر على مثل هذه المآسي.
وحتى الآن رغم هدوء وتيرة تفشي الوباء عالمياً، وتحسُّن قدرات الدول على التعامل مع الأزمة، هناك أدلة على أن الناس لا يزالون يعانون من إرهاق أخبار فيروس كورونا وبالتالي يقرأون القليل عن الوباء وتداعياته ومحاذيره.
ويرجع هذا بشكل كبير أيضاً إلى ظاهرة "انهيار التعاطف".
ومع تزايد الأرقام الإحصائية المرتبطة بمأساة ما، نصبح غير حساسين ولدينا استجابة عاطفية أقل. وهذا بدوره يجعلنا أقل احتمالاً لاتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف كوارث مثل الإبادة الجماعية أو المجاعات أو إرسال المساعدة لمنكوبي الحروب والكوارث الطبيعية أو إصدار تشريعات لمكافحة مسببات الكوارث التي تعتبر من صنع البشر.
ففي حالة الوباء مثلاً، قد يؤدي "انهيار التعاطف" إلى نوع من اللامبالاة يجعل الناس لا يكترثون كفاية بغسل اليدين أو ارتداء قناع في الأماكن العامة – وكلاهما ثبت أنه يقلل من مخاطر انتقال الفيروس، بحسب موقع BBC البريطاني.
ما السبيل للتعامل مع هذه الظاهرة بشكل يساعد ضحايا العالم؟
بالرغم من أن رد الفعل السالف توضيحه هو طبيعة بشرية لا يمكن التحايل عليها أو منع حدوثها، لكن هناك أشياء يمكن أن يفعلها الناس.
ففي السويد على سبيل المثال، استقبلت الدولة الأوروبية قرابة 160 ألف لاجئ سوري منذ اندلاع الحرب وفقاً لموقع VoX، فقام الصليب الأحمر السويدي بإنشاء صندوق عام لتلقي المساعدات من أجل معالجة هذا التدفق الجماعي للاجئين.
وفي اليوم التالي لظهور صورة الطفل إيلان ملقى على الشواطئ ضمن ضحايا محاولات الهجرة غير الشرعية عبر الزوارق المطاطية، ارتفعت التبرعات من 8000 دولار إلى 430 ألف دولار- بسبب صورة طفل واحد.
وظلت التبرعات مرتفعة بشكل استثنائي للصندوق السويدي تزامناً مع رواج الصورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، وما لبثت أن انخفضت المساهمات مع خفوت تداول الصورة.
وبالتالي قد تمنحنا "القصص الدرامية" للأفراد، أو الصور الفوتوغرافية لأشخاص وقعوا ضحايا لمآسٍ جماعية كبيرة، فرصة سانحة لتنبيه البشر بقضية عاجلة تستدعي التضامن الذي يدفعنا لتقديم المساعدة بشتى الطرق.
التضامن والتأثُّر بتلك القصص الفردية للضحايا لا يعني أن هناك خطباً ما لديك، كل ما في الأمر أنه علينا بين حين وآخر تذكُّر الصورة الكاملة، وتقديم ما يمكننا فعله من خدمات للإنسانية.
مدار الساعة ـ