مدار الساعة - إيهاب نجدت
في واحد من المسلسلات الأمريكية الطبية الشهيرة «House»؛ والذي عرض للمرة الأولى في عام 2004 كان لدى بطل هذا المسلسل «دكتور هاوس» وفريقه المكون من أمهر الأطباء، مهمة واحدة فقط على مدار ثمانية مواسم مدة عرض المسلسل؛ وهي تشخيص الأمراض النادرة، وتولي الحالات التي عجز باقي الأطباء عن تشخيصها بواسطة الأعراض التي تظهر على المريض، وفي كل حلقة من حلقات المسلسل يواجه فريقه تحديًا جديدًا أكثر صعوبة في تشخيص المرض في أسرع وقت ممكن قبل وفاة المريض.
لكن، ماذا لو أخبرناك أن هناك ذكاءً اصطناعيًا قد يخرج للحياة يقوم بدور هذا الفريق وفي وقت سريع ومن خلال مسح ملامح وجه المريض فقط؟
ذكاء اصطناعي قد ينقذ حياة الكثير من البشر
في 10 فبراير (شباط) 2022 نُشرت دراسة بعنوان «Facial analysis improves diagnosis» أو «تشخيص الأمراض من خلال مسح الوجه»؛ وفي مقدمة هذه الدراسة وضح الباحثون من مستشفى جامعة بون، أن أعدادًا كبيرة من المرضى الذين يعانون من أمراض نادرة؛ يواجهون أوقات «مأساوية» حتى يتمكن الأطباء من تشخيص حالتهم، وتحديد العلاجات الصالحة لحالتهم، خاصة وأن بعض العلاجات التي يظن الأطباء أنها ستشفيهم قد تزيد حالتهم سوءًا؛ ليس لسبب إلا أن الأطباء لا يدركون ما المرض الذي تعاني منه الحالة من الأساس.
ومن أجل هذا طوّر الباحثون جهازًا يعتمد على تقنية الذكاء الاصطناعي وأطلقوا عليه «GestaltMatcher»، وهذا الجهاز له القدرة على اكتشاف أي أمراض وراثية نادرة يعاني منها المريض ويجد الأطباء صعوبة في تشخيصها، ووضح الباحثون المؤلفون للدراسة أن هذا الذكاء الاصطناعي ليس فقط قادرًا على تشخيص الأمراض التي سبق للبشر تشخصيها على مرضى آخرين، بل لديه القدرة الآن بعد تطويره على اكتشاف أمراض وراثية نادرة لم يجر تشخيصها من قبل، من خلال مسح ملامح وجه المريض فقط.
استخدم الفريق البحثي 17560 صورة لمرضى سابقين بأمراض نادرة، وجاءت معظم هذه الصور من شركة الصحة الرقمية «FDNA»، والتي عمل فريق البحث بها على تطوير خدمة الويب التي يمكن من خلالها استخدام الذكاء الاصطناعي، كما ساهم فريق البحث في معهد علم الوراثة البشرية بجامعة بون بنحو 5 آلاف من الصور وبيانات المرضى السابقين، إلى جانب تسعة مواقع جامعية أخرى في ألمانيا وخارجها.
ركز الباحثون على أنماط المرض المتنوعة قدر الإمكان، وكانوا قادرين على تحليل ما يقرب من 1115 من الأمراض النادرة من خلال الذكاء الاصطناعي، وهذا التباين الواسع في المظهر درّب الذكاء الاصطناعي بحيث يمكنه الآن تشخيص المرض.
لكن لماذا الأمراض الوراثية تحديدًا؟
«الهدف من تطوير هذا الجهاز هو اكتشاف مثل هذه الأمراض في مرحلة مبكرة، وبدء العلاج المناسب في أسرع وقت ممكن»، هكذا صرح العالم بيتر كراويتز من معهد الإحصاء الجينومي والمعلوماتية الحيوية (IGSB) في مستشفى بون الجامعي، في البيان الصحفي الذي نشر منذ أيام قليلة على موقع الجامعة.
الغالبية العظمى من الأمراض النادرة تكون وراثية، وعادة ما تحدث بسبب طفرات وراثية، وكل واحدة من هذه الحالات الوراثية النادرة عادة ما تُضعف الجسم بعدة طرق مختلفة، والأهم من ذلك أن معظم هذه الأمراض الوراثية النادرة تؤدي أيضًا إلى سمات وجه معينة، على سبيل المثال، قد يكون للأنف أو الخدين شكل مختلف إذا كان المريض يحمل اضطرابًا وراثيًا، ومثل هذه التغييرات في الوجه تختلف من مرض إلى آخر.
ومن أجل هذا؛ طوّر العلماء ذكاء اصطناعيًّا حديثًا والأول من نوعه، له القدرة على تمييز اختلافات الوجه وتحليلها ومقارنتها بمجموعة كبيرة من وجوه المرضى الآخرين والبيانات الجينية الخاصة بهم؛ وأكد الفريق البحثي الذي طوّر هذا الجهاز أنه يستطيع تشخيص الأمراض الوراثية النادرة بدقة عالية من خلال مسح ملامح الوجه فقط، وهذا من خلال التدريب على آلاف الصور الفوتوغرافية للمرضى السابق إصابتهم بهذه الأمراض، وما قدمته الدراسة الجديدة هو قدرة هذا الذكاء الاصطناعي على التحليل الذاتي للملامح دون مرجعية لملامح مرضى سابقين؛ لاكتشاف الأمراض الوراثية النادرة التي لم يتم تشخيصها من قبل.
جيل جديد ينجح في اكتشاف أمراض نادرة للمرة الأولى
نظام الذكاء الاصطناعي «GestaltMatcher» المذكور في الدراسة الحديثة يعتبر تطويرًا للذكاء الاصطناعي «DeepGestalt»، الذي دربه فريق «IGSB» مع مؤسسات أخرى في السنوات القليلة الماضية، وفي حين أن «DeepGestalt» لا يزال يتطلب حوالي 10 أشخاص يعانون من المرض الوراثي النادر، تم تشخصيهم من قبل، باعتبارهم مرجعًا للتدريب؛ فإن خليفته «GestaltMatcher» يتطلب عددًا أقل بكثير من المرضى لمطابقة ملامح الوجه، وهذه تعتبر ميزة كبيرة فيما يخص الأمراض النادرة، لأنه يتم الإبلاغ عن عدد قليل جدًا من المرضى في جميع أنحاء العالم.
ساس بوست